فصل: بَدْءُ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مصنف عبد الرزاق ***


حَدِيثُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

9744- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ إِلاَّ بَدْرًا، وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ إِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ الْعِيرَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ، فَالْتَقَوْا عَنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُ مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حَيْثُ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، ثُمَّ لَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَآذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالرَّحِيلِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوَةٍ وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الظِّلاَلُ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَكَانَ قَلَّ مَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ الْحَرْبُ خِدْعَةٌ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَةً، وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ وَقَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتِي وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَادِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ، وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلاَلِ، وَطِيبِ الثِّمَارِ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا بِغَدَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا فَقُلْتُ أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِي جَهَازِي، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ فَعَسُرَ عَلِيَّ بَعْضُ شَأْنِيَ أَيْضًا فَقُلْتُ‏:‏ أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى الْتَبَسَ بِيَ الذَّنْبُ، وَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ، وَأَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لاَ أَرَى أَحَدًا إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ، إِلاَّ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لاَ يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَضْعَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلاً، وَلَمْ يَذْكُرُنِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ قَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي‏:‏ خَلْفَهُ يَا رَسُولَ اللهِ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ‏:‏ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا نَعْلَمُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا قَالَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا هُمْ بِرَجُلٍ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُنْ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ وَقَفَلَ وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ جَعَلْتُ أَنْظُرُ بِمَاذَا أَخْرَجُ مِنْ سَخَطِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى إِذَا قِيلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مُصَبِّحُكُمْ غَدًا بِالْغَدَاةِ زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَلاَ أَنْجُو إِلاَّ بِالصِّدْقِ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فَجَعَلَ يَأْتِيَهِ مَنْ تَخَلَّفَ فَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَقْبَلُ عَلاَنِيَتَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَا خَلَّفَكَ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ وَاللهِ لَوْ بَيْنَ يَدَيَّ أَحَدٌ غَيْرُكَ مِنَ النَّاسِ جَلَسْتُ لَخَرَجْتُ مِنْ سَخَطِهِ عَلِيَّ بِعُذْرٍ، لَقَدْ أُوتِيتُ جَدَلاً، وَلَقَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكَ الْيَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلِيَّ فِيهِ، وَهُوَ حَقٌّ فَإِنِّي أَرْجُو عَفْوَ اللهِ، وَإِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا تَرْضَى عَنِّي فِيهِ وَهُوَ كَذَبٌ أَوْشَكَ أَنْ يُطْلِعَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ وَلاَ أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ قَالَ‏:‏ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِي اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ فَثَارَ عَلَى أَثَرِي أُنَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونِي فَقَالُوا‏:‏ وَاللهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا فَهَلاَّ اعْتَذَرْتَ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُذْرٍ رَضِيَ عَنْكَ فِيهِ، وَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَلَمْ تَقِفْ مَوْقِفًا لاَ تَدْرِي مَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ قَالَهُ هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَقُلْتُ‏:‏ لاَ وَاللهِ لاَ أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا، وَلاَ أُكَذِّبُ نَفْسِي قَالَ‏:‏ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ قَالَ‏:‏ فَجَعَلْتُ أَخْرَجُ إِلَى السُّوقِ فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي تَعْرِفُ لَنَا، وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ وَكُنْتُ أَقْوَى النَّاسِ فَكُنْتُ أَخْرَجُ فِي السُّوقِ، وَآتِي الْمَسْجِدَ فَأَدْخَلُ، وَآتِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ‏:‏ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلاَمِ‏؟‏ فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ، فَأَقْبَلْتُ قَبْلَ صَلاَتِي نَظَرَ إِلَيَّ بِمُؤَخِّرِ عَيْنَيْهِ، وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي قَالَ‏:‏ وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يُطْلِعَانِ رُؤُوسَهُمَا فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي السُّوقِ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ يَقُولُ‏:‏ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَأَتَانِي، وَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهَا‏:‏

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ، وَلَسْتَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ وَلاَ هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ وَالشَّرِّ، فَسَجَرْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَأَحْرَقَتُهَا فِيهِ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ‏:‏ اعْتَزِلِ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ‏:‏ أُطَلِّقُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ وَلَكِنْ لاَ تَقْرَبْهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَتْ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ فَهَلْ تَأْذَنْ لِي أَنْ أَخْدُمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ قَالَتْ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ وَاللهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ لِشَيْءٍ مَا زَالَ مُكِبًّا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، مُنْذُ كَانَ أَمْرُهُ مَا كَانَ قَالَ كَعْبٌ‏:‏ فَلَمَّا طَالَ عَلِيَّ الْبَلاَءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلِيَّ، فَقُلْتُ‏:‏ أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَتَعْلَمُ أَنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ‏:‏ أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ قُلْتُ‏:‏ أُنْشِدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ‏:‏ فَلَمْ أَمْلِكُ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ، ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلاَمِنَا، صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلاَةَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَلَسْتُ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏}‏ إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذِرْوَةِ سَلْعٍ أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَنَا بِالْفَرَحِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ، يُبَشِّرُنِي فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبِي بِشَارَةً وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ قَالَ‏:‏ وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ أَلاَ نُبَشِّرُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ قَالَ‏:‏ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي تَحْزَنُ بِأَمْرِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالأَمْرِ اسْتَنَارَ، فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ‏:‏ أَبْشِرْ يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قَالَ‏:‏ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَمَرٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ أُمْ مِنْ عِنْدَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ تَلاَ عَلَيْهِمْ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَفِينَا أُنْزِلَتْ أَيْضًا ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِذًا أَلاَّ أُحَدِّثُ إِلاَّ صِدْقًا، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ فَقُلْتُ‏:‏ إِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ قَالَ‏:‏ فَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلِيَّ نِعْمَةً بَعْدَ الإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَقَتُهُ، أَنَا وَصَاحِبَايَ أَنْ لاَ نَكُونَ كَذَبْنَاهُ فَهَلَكْنَا، كَمَا هَلَكُوا وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَلَى أَحَدًا فِي الصِّدْقِ مِثْلَ الَّذِي ابْتَلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ لِكَذِبَةٍ بَعْدُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ‏.‏

مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ

9745- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَخْرُجَ وَجْهًا إِلاَّ وَأَنَا مَعَكَ، فَقَالَ‏:‏ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَرَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَاللهِ لاَ أَحُلُّ نَفْسِي مِنْهَا، وَلاَ أَذُوقُ طَعَامًا وَلاَ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ، أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يَذُوقُ فِيهَا طَعَامًا وَلاَ شَرَابًا، حَتَّى كَانَ يَخِرُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ يَا أَبَا لُبَابَةَ فَقَالَ‏:‏ وَاللهِ لاَ أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّنِي بِيَدِهِ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ قَالَ‏:‏ يُجْزِيكَ الثُّلُثَ يَا أَبَا لُبَابَةَ‏.‏

9746- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ أَوَّلُ أَمْرٍ عُتِبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَتِيمٍ عِذْقٌ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي لُبَابَةَ فَبَكَى الْيَتِيمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ دَعْهُ لَهُ فَأَبَى قَالَ‏:‏ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ وَلَكَ، مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى فَانْطَلَقَ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ لأَبِي لُبَابَةَ‏:‏ بِعْنِي هَذَا الْعِذْقَ بِحَدِيقَتَيْنِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُ هَذَا الْيَتِيمَ هَذَا الْعِذْقَ أَلِي مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَالَ‏:‏ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُدْلِكٍ لاِبْنِ الدَّحْدَاحَةِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ‏:‏ وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ الذَّبْحَ وَتَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

حَدِيثُ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ

9747- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ إِنَّ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ، الأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ، كَانَا يَتَصَاوَلاَنِ فِي الإِسْلاَمِ كَتَصَاوُلِ الْفَحْلَيْنِ لاَ يَصْنَعُ الأَوْسُ شَيْئًا إِلاَّ قَالَتِ الْخَزْرَجُ‏:‏ وَاللهِ لاَ تَذْهَبُونَ بِهِ أَبَدًا فَضْلاً عَلَيْنَا فِي الإِسْلاَمِ، فَإِذَا صَنَعْتِ الْخَزْرَجُ شَيْئًا، قَالَتِ الأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصَابَتِ الأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الأَشْرَفِ قَالَتِ الْخَزْرَجُ‏:‏ وَاللهِ لاَ نَنْتَهِي حَتَّى نُجْزِئَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي أَجْزَؤُوا عَنْهُ فَتَذَاكَرُوا أَوْزَنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ فَاسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ، وَهُوَ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ الأَعْوَرُ أَبُو رَافِعٍ بِخَيْبَرَ فَأَذِنَ لَهُمْ فِي قَتَلَهِ وَقَالَ‏:‏ لاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلاَ امْرَأَةً فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَهْطٌ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَمِيرُ الْقَوْمِ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانَ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَخُزَاعِيُّ بْنُ أَسْوَدَ، رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ حَلِيفٌ لَهُمْ، وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ فُلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ فَخَرَجُوا حَتَّى جَاؤُوا خَيْبَرَ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْبَلَدَ عَمَدُوا إِلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا، فَغَلَّقُوهُ مِنْ خَارِجِهِ عَلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ فِي عَجَلَةٍ مِنْ نَخْلٍ، فَأَسْنَدُوا فِيهَا حَتَّى ضَرَبُوا عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمُ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ‏:‏ مِمَّنْ أَنْتُمْ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَفَرٌ مِنَ الْعَرَبِ أَرَدْنَا الْمِيرَةَ قَالَتْ‏:‏ هَذَا الرَّجُلُ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمَا الْبَابَ، ثُمَّ ابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، قَالَ قَائِلُهُمْ‏:‏ وَاللهِ مَا دَلَّنِي عَلَيْهِ إِلاَّ بَيَاضُهُ عَلَى الْفِرَاشِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ مُلْقَاةٌ قَالَ‏:‏ وَصَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ قَالَ‏:‏ فَيَرْفَعِ الرَّجُلُ مِنَّا السَّيْفَ لِيَضْرِبَهَا بِهِ، ثُمَّ يَذْكُرُ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ وَلَوْلاَ ذَلِكَ فَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ قَالَ‏:‏ وَتَحَامَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، وَكَانَ سَيِّئَ الْبَصَرِ فَوَقَعَ مِنَ فوق الْعَجَلَةِ فَوُثِيَتْ رِجْلُهُ وَثْيًا مُنْكَرًا قَالَ‏:‏ فَنَزَلْنَا فَاحْتَمَلْنَاهُ فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَنْهَرِ عَيْنٍ مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ فَمَكَثْنَا فِيهِ قَالَ‏:‏ وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَأَشْعَلُوهَا فِي السَّعَفِ، وَجَعَلُوا يَلْتَمِسُونَ وَيَشْتَدُّونَ، وَأَخْفَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَكَانَنَا قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَجَعُوا قَالَ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ أَنَذْهَبُ فَلاَ نَدْرِي أَمَاتَ عَدُوُّ اللهِ أَمْ لاَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَّا حَتَّى حُشِرَ فِي النَّاسِ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ مُكِبَّةً وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ وَحَوْلَهُ رِجَالُ يَهُودَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ‏:‏ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي فَقُلْتُ‏:‏ وَأَنِّي ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلاَدِ فَقَالَتْ شَيْئًا ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَتْ‏:‏ فَاظَ وَإِلَهُ يَهُودَ، تَقُولُ مَاتَ، قَالَ‏:‏ فَمَا سَمِعْتُ كَلِمَةً كَانَتْ أَلَذَّ مِنْهَا إِلَى نَفْسِي قَالَ‏:‏ ثُمَّ خَرَجَتْ فَأَخْبَرَتْ أَصْحَابِي أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِذَلِكَ قَالَ‏:‏ وَجَاؤُوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ‏:‏ أَفْلَحْتِ الْوُجُوهُ‏.‏

حَدِيثُ الإِفْكِ

9748- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا قَالَ‏:‏ فَبَرَّأَهَا اللَّهُ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْحِجَابَ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأَنْزِلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ قَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا الْهَوْدَجَ فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ قَالَ‏:‏ وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا فَلَمْ يُهَبَّلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمَ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا بِهِ، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بِهِمَا بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَقَدْ كَانَ رَآنِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ إِلاَّ بِاسْتِرْجَاعِهِ، حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَتَشَكَّيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا، وَالنَّاسُ يَخُوضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، وَلاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي، أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ وَيَقُولُ‏:‏ كَيْفَ تِيكُمْ‏؟‏ فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلاَ أَشْعُرُ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَلاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا أُمُّ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ‏:‏ تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا‏:‏ بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَيْ هَنْتَاهُ أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ‏:‏ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَاذَا قَالَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلِيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ كَيْفَ تِيكُمْ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي‏:‏ يَا أُمَّهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قُلْتُ‏:‏ سُبْحَانَ اللهِ أَوَ قَدْ يُحَدِّثُ النَّاسُ بِهَذَا‏؟‏

قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ قَالَتْ‏:‏ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ‏:‏ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَقَالَ‏:‏ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرَةٌ وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ قَالَتْ‏:‏ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ‏:‏ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ أَمْرِ عَائِشَةَ‏؟‏ فَقَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ‏:‏ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ قَالَتْ‏:‏ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَّلُولَ قَالَتْ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ‏:‏ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ‏:‏ أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ‏:‏ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنَّهُ حَمَلَتْهُ الْجَاهِلِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ‏:‏ لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلَنَّهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ‏:‏ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ‏:‏ فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ وَمَكَثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ‏:‏ فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلِيَّ امْرَأَةٌ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ‏:‏ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ مَا قِيلَ وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَتْ‏:‏ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أَحُسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي‏:‏ أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، فَقَالَ‏:‏ وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لأُمِّي‏:‏ أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا، إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ بَرَاءَتِي لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِذَنْبٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونِي، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ فَصَبَرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قَالَتْ‏:‏ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا وَاللهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا‏.‏ قَالَتْ‏:‏ فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثَقَلِ الْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، وَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ‏:‏ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللهِ قَدْ أَبْرَأَكِ اللَّهُ‏.‏ فَقَالَتْ لِي أُمِّي‏:‏ قَوْمِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ‏:‏ لاَ وَاللهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي قَالَتْ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَاتِ فِي بَرَاءَتِي قَالَتْ‏:‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ، وَاللهِ لاَ أَنْفَقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمُ وَالسَّعَةِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ‏}‏‏.‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَّعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ‏:‏ وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ، أَوْ مَا رَأَيْتِ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ ابْنَةُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ‏.‏

9749- عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا حَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلاَءِ النَّفَرَ الَّذِينَ قَالُوا فِيهَا مَا قَالُوا‏.‏

9750- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّهُمْ‏.‏

حَدِيثُ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ

9751- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ هَمَسَ، وَالْهَمْسُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ هَمَسْتَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أُعْجِبَ بِأُمَّتِهِ، فَقَالَ‏:‏ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاَءِ‏؟‏ فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ أَنْتَقِمَ مِنْهُمْ، أَوْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، فَاخْتَارُوا النِّقْمَةَ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ حَدَّثَ بِهَذَا الآخَرَ قَالَ‏:‏

9751م- وَكَانَ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ يَتَكَهَّنُ لَهُ، فَقَالَ ذَلِكَ الْكَاهِنُ‏:‏ انْظُرُوا لِي غُلاَمًا فَطِنًا، أَوْ قَالَ‏:‏ لَقِنًا، أُعَلِّمُهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلاَ يَكُونَ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ، قَالَ‏:‏ فَنَظَرُوا لَهُ غُلاَمًا عَلَى مَا وَصَفَ فَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ قَالَ‏:‏ وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلاَمِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَأَحْسَبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمَيْنَ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ الْغُلاَمُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَخْبَرَهُ فَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ، وَجَعَلَ الْغُلاَمُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ وَيُبْطِئُ عَنِ الْكَاهِنِ قَالَ‏:‏ فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الْغُلاَمِ أَنَّهُ لاَ يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الْغُلاَمُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ‏:‏ إِذَا قَالَ الْكَاهِنُ أَيْنَ كُنْتَ‏؟‏ فَقُلْ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ أَهْلِي، وَإِذَا قَالَ لَكَ أَهْلُكَ‏:‏ أَيْنَ كُنْتَ‏؟‏ فَقُلْ‏:‏ كُنْتَ عِنْدَ الْكَاهِنِ قَالَ‏:‏ فَبَيْنَا الْغُلاَمُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَبِيرَةٍ، قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابَّةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ يَعْنِي الأَسَدَ، وَأَخَذَ الْغُلاَمُ حَجَرًا فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الْكَاهِنُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ أَقْتُلَهَا قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَمَاهَا فَقَتَلَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ مَنْ قَتَلَهَا‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ الْغُلاَمُ فَفَزِعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلاَمُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ‏:‏ إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ عَلِيَّ بَصَرِي فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ‏:‏ لاَ أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ إِنْ رُدَّ إِلَيْكَ بَصَرُكَ أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَدَعَا اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ‏:‏ فَآمَنَ الأَعْمَى، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَالَ‏:‏ لأَقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لاَ أَقْتُلَهَا صَاحِبُهَا قَالَ‏:‏ فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَبِالرِّجْلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقُتِلَ، وَقَتَلَ الآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلاَمِ فَقَالَ‏:‏ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسَهِ، فَلَمَّا انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدَّوْنَ مِنْهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْغُلاَمُ فَرَجَعَ، فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ فَقَالَ‏:‏ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَغَرَّقَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَأَنْجَاهُ اللَّهُ فَقَالَ الْغُلاَمُ‏:‏ إِنَّكَ لَنْ تَقْتُلَنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي وَتَقُولُ‏:‏ إِذَا رَمَيْتَنِي بِاسْمِ رَبِّ الْغُلاَمِ، أَوْ قَالَ بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ، فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمَّ رَمَاهُ وَقَالَ‏:‏ بِسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلاَمِ قَالَ‏:‏ فَوَضَعَ الْغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلاَمُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الْغُلاَمِ قَالَ‏:‏ فَقِيلَ لِلْمَلِكِ‏:‏ أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلاَثَةٌ فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ قَالَ‏:‏ فَخَدَّ الأُخْدُودَ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنَّارَ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ‏:‏ مَنْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي النَّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الأُخْدُودِ قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَأَمَّا الْغُلاَمُ فَإِنَّهُ دُفِنَ قَالَ‏:‏ فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِصْبَعَهُ عَلَى صُدْغِهِ كَمَا كَانَ وَضَعَهَا‏.‏

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ وَالأُخْدُودُ بِنَجْرَانَ‏.‏

حَدِيثُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ

9752- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَرُوسٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَوَارِيِّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى مَدِينَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَقِيلَ إِنَّ عَلَى بَابِهَا صَنَمًا لاَ يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلاَّ سَجَدَ لَهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَدْخُلَهُ فَأَتَى حَمَّامًا، فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَعْمَلُ فِيهِ يُواجِرُ نَفْسَهُ مِنْ صَاحِبِ الْحَمَّامِ، وَرَأَى صَاحِبُ الْحَمَّامِ فِي حَمَّامِهِ الْبَرَكَةَ وَالرِّفْقَ، وَفَوَّضَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يَسْتَرْسِلُ إِلَيْهِ، وَعَلِقَهُ فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَخَبَرِ الآخِرَةِ حَتَّى آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَكَانُوا عَلَى مِثْلِ حَالِهِ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَكَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّ اللَّيْلَ لِي، وَلاَ تَحَولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّلاَةِ إِذَا حَضَرَتْ، حَتَّى جَاءَ ابْنُ الْمَلِكِ بِامْرَأَةٍ يَدْخُلُ بِهَا الْحَمَّامَ، فَعَيَّرَهُ الْحَوَارِيُّ فَقَالَ‏:‏ أَنْتَ ابْنُ الْمَلِكِ، وَتَدْخُلُ مَعَكَ هَذِهِ الْكَذَا وَكَذَا، فَاسْتَحْيَى فَذَهَبَ فَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى دَخَلَ، وَدَخَلَتْ مَعَهُ الْمَرْأَةُ فَبَاتَا فِي الْحَمَّامِ فَمَاتَا فِيهِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ قَتَلَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ ابْنَكَ، فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، وَهَرَبَ فَقَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ، فَسَمُّوا الْفِتْيَةَ فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا بِصَاحِبٍ لَهُمْ فِي زَرْعٍ لَهُ، وَهُوَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِمْ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّهُمُ الْتُمِسُوا فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ وَمَعَهُ كَلْبٌ حَتَّى أَوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى كَهْفٍ، فَدَخَلُوا فِيهِ فَقَالُوا‏:‏ نَبِيتُ هَاهُنَا اللَّيْلَةَ، ثُمَّ نُصْبِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ تَرَوْنَ رَأْيَكُمْ قَالَ‏:‏ فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَخَرَجَ الْمَلِكُ بِأَصْحَابِهِ يَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى وَجَدُوهُمْ، فَدَخَلُوا الْكَهْفَ، فَكُلَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ أُرْعِبَ فَلَمْ يُطِقْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ‏:‏ أَلَسْتَ قُلْتَ‏:‏ لَوْ كُنْتُ قَدَرْتُ عَلَيْهِمْ قَتَلَتُهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى قَالَ‏:‏ فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ، وَدَعْهُمْ فِيهِ يَمُوتُوا عَطَشًا وَجُوعًا، فَفَعَلَ، ثُمَّ غَبَرُوا زَمَانًا، ثُمَّ إِنَّ رَاعِي غَنْمٍ أَدْرَكَهُ الْمَطَرُ عِنْدَ الْكَهْفِ فَقَالَ‏:‏ لَوْ فَتَحْتُ هَذَا الْكَهْفَ وَأَدْخَلْتُ غَنَمِي مِنَ الْمَطَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَالِجُهُ حَتَّى فَتَحَ لِغَنَمِهِ فَأَدْخَلَهَا فِيهِ وَرَدَّ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ مِنَ الْغَدِ، حِينَ أَصْبَحُوا، فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ بِوَرِقٍ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَى بَابَ مَدِينَتِهِمْ جَعَلَ لاَ يُرِي أَحَدًا مِنْ وَرِقِهِ شَيْئًا إِلاَّ اسْتَنْكَرَهَا حَتَّى جَاءَ رَجُلاً فَقَالَ‏:‏ بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا قَالَ‏:‏ وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ أَنَا وَأَصْحَابٌ لِي أَمْسِ فَأَوَانَا اللَّيْلُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا فَأَرْسَلُونِي فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ مَلِكِ فُلاَنٍ، فَأَنَّى لَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ‏؟‏ فَرَفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذِهِ الْوَرِقُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ أَنَا وَأَصْحَابٌ لِي أَمْسِ حَتَّى أَدْرَكَنَا اللَّيْلُ فِي كَهْفِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ أَمَرُونِي أَصْحَابِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ أَصْحَابُكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِي الْكَهْفِ فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى بَابَ الْكَهْفِ فَقَالَ‏:‏ دَعُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أَصْحَابِي قَبْلَكُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَدَنَا مِنْهُمْ، ضُرِبَ عَلَى أُذُنِهِ وَآذَانِهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَجَعَلَ كُلَّمَا دَخَلَ رَجُلٌ رُعِبَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَبَنَوْا كَنِيسَةً، وَبَنَوْا مَسْجِدًا يُصَلُّونَ فِيهِ‏.‏

بُنْيَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

9753- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ شَيْطَانٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مُلْكَهُ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَى نِسَائِهِ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ إِنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ لِلشَّيَاطِينِ‏:‏ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَبْنِي مَسْجِدًا يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ لاَ أَسْمَعُ فِيهِ صَوْتَ مِقْفَارٍ وَلاَ مِنْشَارٍ، قَالَتِ الشَّيَاطِينُ‏:‏ إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيْطَانًا فَلَعَلَّكَ إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ يُخْبِرُكَ بِذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ يَرِدُ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ عَيْنًا يَشْرَبُ مِنْهَا، فَعَمَدْتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى تِلْكَ الْعَيْنِ فَنَزَحَتْهَا، ثُمَّ مَلأَتْهَا خَمْرًا فَجَاءَ الشَّيْطَانُ قَالَ‏:‏ إِنَّكِ لَطَيِّبَةُ الرِّيحِ، وَلَكِنَّكِ تُسَفِّهِينَ الْحَلِيمَ، وَتَزِيدِينَ السَّفِيهَ سَفَهًا، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يَشْرَبْ فَأَدْرَكَهُ الْعَطَشُ فَرَجَعَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ كَرَعَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، فَأَخَذُوهُ فَجَاؤُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ فَأَرَاهُ سُلَيْمَانُ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا رَآهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ فِي خَاتَمِهِ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ‏:‏ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَبْنِي مَسْجِدًا لاَ أَسْمَعُ فِيهِ صَوْتَ مِقْفَارٍ وَلاَ مِنْشَارٍ، فَأَمَرَ الشَّيْطَانُ بِزُجَاجَةٍ فَصُنِعَتْ، ثُمَّ وُضِعَتْ عَلَى بِيضِ الْهُدْهُدِ فَجَاءَ الْهُدْهُدُ لِلرَّبْضِ عَلَى بَيْضِهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ فَقَالَ الشَّيْطَانُ‏:‏ انْظُرُوا مَا يَأْتِي بِهِ الْهُدْهُدُ فَخُذُوهُ، فَجَاءَ بِالْمَاسِ فَوَضَعَهُ عَلَى الزُّجَاجَةِ فَفَلَقَهَا فَأَخَذُوا الْمَاسَ، فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ قِطَعًا حَتَّى بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ‏:‏ وَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّامِ وَقَدْ كَانَ فَارَقَ بَعْضَ نِسَائِهِ فِي بَعْضِ الْمَأْثَمِ، فَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَمَعَهُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ، فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ أَخَذَ الشَّيْطَانُ خَاتَمَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا، السَّرِيرَ شِبْهَ سُلَيْمَانَ فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ، وَقَدْ ذَهَبَ مُلْكُهُ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ عَلَى سَرِيرِ سُلَيْمَانَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَاسْتَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَقَدْ فُتِنَ سُلَيْمَانُ مِنْ تَهَاوُنِهِ بِالصَّلاَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ يَتَهَاوَنُ بِالصَّلاَةِ، وَبِأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ صَحَابَةِ سُلَيْمَانَ رَجُلٌ يُشَبَّهُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي سَائِلُهُ لَكُمْ فَجَاءَهُ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا تَقُولُ فِي أَحَدِنَا يُصِيبُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، ثُمَّ يَنَامُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ لاَ يَغْتَسِلُ وَلاَ يُصَلِّي هَلْ تَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَأْسًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ عَلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ‏:‏ لَقَدِ افْتُتِنَ سُلَيْمَانُ قَالَ‏:‏ فَبَيْنَا سُلَيْمَانُ ذَاهِبٌ فِي الأَرْضِ إِذْ أَوَى إِلَى امْرَأَةٍ فَصَنَعَتْ لَهُ حُوتًا، أَوْ قَالَ‏:‏ فَجَاءَتْهُ بِحُوتٍ فَشَقَّتْ بَطْنَهُ، فَرَأَى سُلَيْمَانُ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَرَفَعَهُ فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ، فَسَجَدَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ لَقِيَهُ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ طَيْرٍ، أَوْ شَيْءٍ وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مُلْكَهُ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏}‏، قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ يَقُولُ لاَ تَسْلُبَنَّهُ مَرَّةً أُخْرَى‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الْكَلْبِيُّ‏:‏ فَحِينَئِذٍ سُخِّرَتْ لَهُ الشَّيَاطِينُ مَعًا وَالطَّيْرُ‏.‏

بَدْءُ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

9754- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَتَشَاوَرَ نِسَاؤُهُ فِي لَدَّهِ فَلَدُّوهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ‏:‏ هَذَا فِعْلُ نِسَاءٍ جِئْنَ مِنْ هَؤُلاَءِ وَأَشَارَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فِيهِنَّ قَالُوا‏:‏ كُنَّا نَتَّهِمُ بِكَ ذَاتَ الْجَنْبِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَقْذِفُنِي بِهِ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلاَّ الْتَدَّ إِلاَّ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي عَبَّاسًا، قَالَ‏:‏ فَلَقَدِ الْتَدَّتْ مَيْمُونَةُ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّهَا لَصَائِمَةٌ لِعَزِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ‏:‏ أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ قَالَتْ‏:‏ فَخَرَجَ وَيَدٌ لَهُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَيَدٌ أُخْرَى عَلَى يَدِ رَجُلٍ آخَرَ، وَهُوَ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ‏:‏ فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ‏:‏ أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ‏؟‏ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لاَ تَطِيبُ لَهَا نَفْسًا بِخَيْرٍ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ غَيْرِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ‏:‏ صُبُّوا عَلِيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لِعَلِّي أَسْتَرِيحُ فَأَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ مِنْ نُحَاسٍ وَسَكَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ أَبُوهُ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَئِذٍ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ‏:‏ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّكُمْ تَزِيدُونَ وَالأَنْصَارُ لاَ يَزِيدُونَ، الأَنْصَارُ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ سَمِعْتُ رَجُلاً يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ رَبِّهِ، فَفَطِنَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ فِي الْمَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ رَجُلاً أَحْسَنَ يَدًا عِنْدِي مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ الْعَبَّاسِ أَخْبَرَاهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ بِهِ، جَعَلَ يُلْقِي خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ‏.‏

قَالَ‏:‏ تَقُولُ عَائِشَةُ‏:‏ يُحَذِّرُ مِثْلَ الَّذِي فَعَلُوا‏.‏

9754م- قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ‏:‏ مُرِ النَّاسَ فَلْيُصَلُّوا، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ فَلَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ‏:‏ صَلِّ بِالنَّاسِ فَصَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ فَجَهَرَ بِصَوْتِهِ وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَلَيْسَ هَذَا صَوْتَ عُمَرَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ‏:‏ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ، لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ‏:‏ بِئْسَ مَا صَنَعْتَ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنِي قَالَ‏:‏ لاَ وَاللهِ مَا أَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَحَدًا‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ‏:‏ وَاللهِ مَا بِي إِلاَّ كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ‏:‏ فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَ‏:‏ لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ‏:‏ فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ قَالَ‏:‏ وَكِدْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ فِي صَلاَتِنَا فَرَحًا بِرُؤْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ دَارَ يَنْكُصُ فَأَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنْ كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ أَرْخَى السِّتْرَ فَقُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ رَبَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ كَمَا أَرْسَلَ إِلَى مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً عَنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَأَلْسِنَتَهُمْ يَزْعُمُونَ، أَوْ قَالَ يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ‏.‏

9754م- قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ‏:‏ وَاللهِ لأَعْلَمَنَّ مَا بَقَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ شَيْئًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَدْفَعُ عَنْكَ الْغُبَارَ، وَيَرُدُّ عَنْكَ الْخَصِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لأَدَعَنَّهُمْ يُنَازِعُونِي رِدَائِي، وَيَطَؤُونَ عَقِبِي، وَيَغْشَانِي غُبَارُهُمْ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ يُرِيحُنِي مِنْهُمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّ بَقَاءَهُ فِينَا قَلِيلٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمَرُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَى، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَلْسِنَتَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَهْدٌ، أَوْ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ اللَّهُمَّ لاَ، قَالَ‏:‏ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى وَصَلَ الْحِبَالَ ثُمَّ حَارَبَ، وَوَاصَلَ وَسَالَمَ، وَنَكَحَ النِّسَاءَ وَطَلَّقَ، وَتَرَكَكُمْ عَنْ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ، وَطَرِيقٍ نَاهِجَةٍ، فَإِنْ يَكُ مَا يَقُولُ ابْنُ الْخَطَّابِ حَقًّا فَإِنَّهُ لَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ أَنْ يَحْثُو عَنْهُ فَيُخْرِجُهُ إِلَيْنَا، وَإِلاَّ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ يَأْسَنُ كَمَا يَأْسَنُ النَّاسُ‏.‏

9754م- قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ خَرَجَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَلَقِيَهُمَا رَجُلٌ، فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا حَسَنٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِئًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنْتَ بَعْدُ ثَلاَثٍ لَعَبْدُ الْعَصَا ثُمَّ حَلَّ بِهِ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنِّي خَائِفٌ أَلاَ يَقُومَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَلْنَسْأَلْهُ، فَإِنْ يَكُ هَذَا الأَمْرُ إِلَيْنَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِلاَّ يَكُ إِلَيْنَا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَسْتَوْصِي بِنَا خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ أَرَأَيْتَ إِذْ جِئْنَاهُ فَلَمْ يُعْطِنَاهَا، أَتَرَى النَّاسَ أَنْ يُعْطَوْهَا، وَاللهِ لاَ أَسْأَلُهُ إِيَّاهَا أَبَدًا‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُبِضَ‏.‏

9754م- قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ‏:‏ آخِرُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

9755- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَعُمَرُ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَمَضَى حَتَّى الْبَيْتِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ كَانَ مُسَجًّى عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَاللهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، لَقَدْ مُتَّ الْمَوْتَةَ الَّتِي لاَ تَمُوتُ بَعْدَهَا أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، فَكَلَّمَهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ تَشَهُّدَهُ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ يَعْبُدَ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‏}‏ الآيَةَ كُلَّهَا، فَلَمَّا تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْقَنَ النَّاسُ بِمَوْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَلَقَّوْهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ‏:‏ فَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا قَائِمٌ خَرَرْتُ إِلَى الأَرْضِ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ‏.‏

9756- قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ‏:‏ أَمَا بَعْدُ، فَإِنِّي قُلْتُ مَقَالَةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَلاَ فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ، فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ‏:‏ هَذَا كِتَابُ اللهِ فَاعْتَصِمُوا بِهِ تَهْتَدُونَ لِمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِي اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايَعُوهُ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ‏:‏ لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يُزْعِجُ أَبَا بَكْرٍ إِلَى الْمِنْبَرِ إِزْعَاجًا‏.‏

9757- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَمَّا احْتَضَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَلْ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ‏:‏ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ‏:‏ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُومُوا‏.‏

قَالَ عُبَيْدِ اللهِ‏:‏ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ‏.‏

بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ

9758- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، وَنَحْنُ بِمِنًى، أَتَانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي مَنْزِلِي عَشِيًّا، فَقَالَ‏:‏ لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي سَمِعْتُ فُلاَنًا يَقُولُ‏:‏ لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِنِّي لَقَائِمٌ عَشِيَّةً فِي النَّاسِ فَنُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَصِبُوا الْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ قُلْتَ فِيهِمُ الْيَوْمَ مَقَالَةً أَنْ يَطِيرُوا بِهَا كُلَّ مَطِيرٍ وَلاَ يَعُوهَا، وَلاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، وَلَكِنْ أَمْهِلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى تَقْدُمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ، وَتَخْلُصَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعُوا مَقَالَتَكَ وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ أَمَا وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِهِ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ فِي الْمَدِينَةِ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَاءَ الْجُمُعَةُ هَجَّرْتُ لَمَّا حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فَقُلْتُ وَهُوَ مُقْبِلٌ‏:‏ أَمَا وَاللهِ لَيَقُولَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ، قَالَ فَغَضِبَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ‏:‏ وَأَيُّ مَقَالَةٍ يَقُولُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ‏؟‏

قَالَ‏:‏ فَلَمَّا ارْتَقَى عُمَرُ الْمِنْبَرَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ قَامَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي‏:‏ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ مَعَهُ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَإِنِّي خَائِفٌ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ فَيَقُولُ قَائِلٌ‏:‏ وَاللهِ مَا الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ‏؟‏ فَيَضِلَّ، أَوْ يَتْرُكَ فَرِيضَةً أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ وَكَانَ الْحَمْلُ، أَوِ الاِعْتِرَافُ‏.‏

ثُمَّ قَدْ كُنَّا نَقْرَأُ‏:‏ وَلاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ، أَوْ فَإِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ فَقُولُوا‏:‏ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فُلاَنًا مِنْكُمْ يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَلاَ يَغُرَّنَّ امْرَءًا أَنْ يَقُولَ‏:‏ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، وَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ يُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، إِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُ تَخَلَّفُوا عَنْهُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَسْرِهَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلَقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ، فَلَقِينَا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فَقَالاَ‏:‏ أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ من الأَنْصَارَ قَالاَ‏:‏ فَارْجِعُوا فَاقْضُوا أَمَرَكُمْ بَيْنَكُمْ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ فَاقْضُوا وَلَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَأَتَيْنَاهُمْ فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ، قُلْتُ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قُلْتُ‏:‏ وَمَا شَأْنُهُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ هُوَ وَجِعٌ قَالَ‏:‏ فَقَامَ خَطِيبُ الأَنْصَارِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ الأَنْصَارُ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْنَا دَافَّةٌ مِنْكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَحْضُونَا مِنَ الأَمْرِ، وَكُنْتُ قَدْ رَوَّيْتُ فِي نَفْسِي، وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ بِهِا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِئُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ الْحَدِّ وَكَانَ هُوَ أَوْقَرَ مِنِّي وَأَجَلَّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْكَلاَمَ قَالَ‏:‏ عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَاللهِ مَا تَرَكَ كَلِمَةً كُنْتُ رَوَّيْتُهَا فِي نَفْسِي إِلاَّ جَاءَ بِهَا، أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا فِي بَدِيهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَمَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَنَسَبَا، وَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ‏:‏ فَوَاللهِ مَا كَرِهْتُ مِمَّا قَالَ شَيْئًا إِلاَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، كُنْتُ لأَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبَ عُنُقِي لاَ يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ مَقَالَتَهُ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ‏:‏ أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَإِلاَّ أَجْلَبْنَا الْحَرْبَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ جَذَعًا‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ لاَ يَصْلُحُ سَيْفَانِ فِي غِمْدٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ مِنَّا الأُمَرَاءُ وَمِنْكُمُ الْوُزَرَاءُ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ بِالإِسْنَادِ‏:‏ فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ بَيْنَنَا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ حَتَّى أَشْفَقْتُ الاِخْتِلاَفَ فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا بَكْرٍ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ قَالَ‏:‏ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، فَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَبَايَعَهُ الأَنْصَارُ قَالَ‏:‏ وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدٍ حِينَ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَتَلْتُمْ سَعْدًا قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا وَإِنَّا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرِنَا أَمْرًا كَانَ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ أَنْ يُحْدِثُوا بَيْعَةً بَعْدَنَا، فَإِمَّا أَنْ نُبَايِعَهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فَسَادًا، فَلاَ يَغُرَّنَّ امْرَءًا أَنْ يَقُولَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، فَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ يُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلاَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الَّذَيْنِ لَقِيَاهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالَّذِي قَالَ‏:‏ أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ‏.‏

9759- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَقْتُلُوهُ‏.‏

9760- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ اعْقِلْ عَنِّي ثَلاَثًا‏:‏ الإِمَارَةُ شُورَى، وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِ مَكَانُ كُلِّ عَبْدٍ عَبْدٌ، وَفِي ابْنِ الأَمَةِ عَبْدَانِ، وَكَتَمَ ابْنُ طَاوُوسٍ الثَّالِثَةَ‏.‏

9761- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِئُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَرَجُلاً، مِنَ الأَنْصَارِ كَانَا جَالِسَيْنِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِئُ فَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِنَّا لاَ نُحِبُّ أَنْ يُجَالِسَنَا مَنْ يَرْفَعُ حَدِيثَنَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏:‏ لَسْتُ أُجَالِسُ أُولَئِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ بَلَى، فَجَالِسْ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ وَلاَ تَرْفَعْ حَدِيثَنَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِلأَنْصَارِيِّ‏:‏ مَنْ تَرَى النَّاسَ يَقُولُونَ يَكُونُ الْخَلِيفَةَ بَعْدِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَعَدَّدَ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُسَمِّ عَلِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ فَمَا لَهُمْ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ‏؟‏ فَوَاللهِ إِنَّهُ لأَحْرَاهُمْ إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمَهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنَ الْحَقِّ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ وَلَّى السِّتَّةَ الأَمْرَ، فَلَمَّا جَازُوا أَتْبَعَهُمْ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَئِنْ وَلَّوْهَا الأُجَيْلِحَ لَيَرْكَبَنَّ بِهِمُ الطَّرِيقَ، يُرِيدُ عَلِيًّا‏.‏

قَوْلُ عُمَرَ فِي أَهْلِ الشُّورَى

9762- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ اجْتَمَعَ نَفَرٌ فِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالُوا‏:‏ مَنْ تَرَوْنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَخْلِفًا‏؟‏ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ عَلِيٌّ، وَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ عُثْمَانُ، وَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهِ خَلَفًا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ‏:‏ أَفَلاَ أَعْلَمُ لَكُمْ ذَاكَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى قَالَ‏:‏ وَكَانَ عُمَرُ يَرْكَبُ كُلَّ سَبْتٍ إِلَى أَرْضٍ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ذَكَرَ الْمُغِيرَةُ ابْنَهُ، فَوَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِهِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ تَحْتَهُ كِسَاءٌ قَدْ عَطَفَهُ عَلَيْهَا، فَسَلَّمَ عُمَرُ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسِيرَ مَعَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، فَلَمَّا أَتَى عُمَرُ ضَيْعَتَهُ نَزَلَ عَنِ الأَتَانِ وَأَخَذَ الْكِسَاءَ فَبَسَطَهُ وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ، وَقَعَدَ الْمُغِيرَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَدَّثَهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُغِيرَةُ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ وَاللهِ مَا تَدْرِي مَا قَدْرُ أَجَلِكَ، فَمَا حَدَدْتَ لِنَاسٍ حَدًّا، أَوْ عَلَّمْتَ لَهُمْ عَلَمًا يَبْهَتُونَ إِلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَاسْتَوَى عُمَرُ جَالِسًا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيهْ اجْتَمَعْتُمْ فَقُلْتُمْ‏:‏ مَنْ تَرَوْنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَخْلِفًا‏؟‏ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ عَلِيٌّ، وَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهِ خَلَفًا قَالَ‏:‏ فَلاَ يَأْمَنُوا يُسْأَلُ عَنْهَا رَجُلاَنِ مِنْ آلِ عُمَرَ فَقُلْتُ‏:‏ أَنَا لاَ أَعْلَمُ لَكَ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ فَاسْتَخْلِفْ قَالَ‏:‏ مَنْ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ عُثْمَانُ قَالَ‏:‏ أَخْشَى عَقْدَهُ وَأَثَرَتَهُ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ‏:‏ مُؤْمِنٌ ضَعِيفٌ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ فَالزُّبَيْرُ قَالَ‏:‏ ضَرِسٌ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ‏:‏ رِضَاؤُهُ رِضَاءُ مُؤْمِنٍ وَغَضَبُهُ غَضَبُ كَافِرٍ أَمَا إِنِّي لَوْ وَلَّيْتُهَا إِيَّاهُ لَجَعَلَ خَاتَمَهُ فِي يَدِ امْرَأَتِهِ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ فَعَلِيٌّ قَالَ‏:‏ أَمَا إِنَّهُ أَحْرَاهُمْ إِنْ كَانَ أَنْ يُقِيمَهُمْ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كُنَّا نَعِيبُ عَلَيْهِ مُزَاحَةً كَانَتْ فِيهِ‏.‏

9763- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ عَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ مَا كَانَ لِيَفْعَلَ قَالَتْ‏:‏ إِنَّهُ فَاعِلٌ قَالَ‏:‏ فَحَلَفْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ قَالَ‏:‏ وَكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلاً حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ‏:‏ إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ وَرَاعِي غَنَمٍ، ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ‏؟‏

فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ قَالَ‏:‏ فَوَافَقَهُ قُولِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي إِنْ لاَ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ قَالَ‏:‏ فمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ‏.‏

اسْتِخْلاَفُ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

9764- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ شَاكٍ فَقَالَ‏:‏ اسْتَخْلَفْتَ عُمَرَ‏؟‏ وَقَدْ كَانَ عَتَا عَلَيْنَا وَلاَ سُلْطَانَ لَهُ، فَلَوْ قَدْ مَلَكَنَا لَكَانَ أَعْتَى عَلَيْنَا وَأَعْتَى، فَكَيْفَ تَقُولُ لِلَّهِ إِذَا لَقِيتَهُ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ أَجْلِسُونِي فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ‏:‏ هَلْ تُفَرِّقُنِي إِلاَّ باللهِ‏؟‏ فَإِنِّي أَقُولُ إِذَا لَقِيتُهُ‏:‏ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَقُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ‏:‏ مَا قَوْلُهُ‏:‏ خَيْرَ أَهْلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ خَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ‏.‏

بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

9765- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا بُويِعَ لأَبِي بَكْرٍ تَخَلَّفَ عَلِيٌّ فِي بَيْتِهِ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ‏:‏ تَخَلَّفْتَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي آلَيْتُ بِيَمِينٍ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلاَّ أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلاَّ إِلَى الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَفَلَّتَ الْقُرْآنُ ثُمَّ خَرَجَ فَبَايَعَهُ‏.‏

9766- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَرَّارٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، فَقَالَ‏:‏ أَمَّا عَلِيٌّ فَهَذَا بَيْتُهُ، يَعْنِي‏:‏ بَيْتُهُ قَرِيبٌ مِنْ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْهُ، يَعْنِي عُثْمَانَ، وَأَمَّا عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ أَذْنَبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ ذَنْبًا عَظِيمًا فَغَفَرَ لَهُ، وَأَذْنَبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ ذَنْبًا صَغِيرًا فَقَتَلْتُمُوهُ‏.‏

9767- أَخْبَرَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ قَالَ‏:‏ لَمَّا بُويِعَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ‏:‏ غَلَبَكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ أَذَلُّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي قُرَيْشٍ، أَمَا وَاللهِ لأَمْلأَنَّهَا خَيْلاً وَرِجَالاً قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ مَا زِلْتَ عَدُوًّا لِلإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ فَمَا ضَرَّ ذَلِكَ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ شَيْئًا، إِنَّا رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا أَهْلاً‏.‏

9768- أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ‏:‏ أَخْبِرْنِي عَنْ قُرَيْشٍ قَالَ‏:‏ أَرْزَنُنَا أَحْلاَمًا إِخْوَتُنَا بَنُو أُمَيَّةَ، وَأَنْجَدُنَا عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَأَسْخَانَا بِمَا مَلَكَتِ الْيَمِينُ بَنُو هَاشِمٍ، وَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَشُمُّ بَيْنَهَا بَنُو الْمُغِيرَةِ، إِلَيْكَ عَنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ‏.‏

9769- أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيٍّ‏:‏ أَخْبِرْنِي عَنْ قُرَيْشٍ قَالَ‏:‏ أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَأَنْجَادٌ أَمْجَادٌ، أَهْدَاةٌ أَجْوَادٌ، وَأَمَّا إِخْوَانُنَا بَنُو أُمَيَّةَ فَأَدَبَةٌ ذَادَةٌ، وَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَشُمُّ بَيْنَهَا بَنُو الْمُغِيرَةِ‏.‏

غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ وَخَبَرُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ

9770- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَاجَرَ وَجَاءَ الَّذِينَ كَانُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، بَعَثَ بَعْثَيْنِ قِبَلَ الشَّامِ إِلَى كَلْبٍ، وَبِلْقَيْنِ، وَغَسَّانَ، وَكُفَّارِ الْعَرَبِ الَّذِينَ فِي مَشَارِفِ الشَّامِ، فَأَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدِ الْبَعْثَيْنِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ- وَهُوَ أَحَدُ بَنِي فِهْرٍ- وَأَمَّرَ عَلَى الْبَعْثِ الآخَرِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَانْتَدَبَ فِي بَعَثِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ الْبَعْثَيْنِ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمَا‏:‏ لاَ تَعَاصَيَا فَلَمَّا فَصَلاَ عَنِ الْمَدِينَةِ جَاءَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَتَعَاصَيَا، فَإِمَّا أَنْ تُطِيعَنِي وَإِمَّا أَنْ أُطِيعَكَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ‏:‏ بَلْ أَطِعْنِي، فَأَطَاعَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَكَانَ عَمْرُو أَمِيرَ الْبَعْثَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجْدًا شَدِيدًا، فَكَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ فَقَالَ‏:‏ أَتُطِيعُ ابْنَ النَّابِغَةِ، وَتُؤَمِّرُهُ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَلَيْنَا‏؟‏ مَا هَذَا الرَّأْيَ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏:‏ ابْنَ أُمِّ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ وَإِلَيْهِ أَنْ لاَ نَتَعَاصَيَا، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أُطِعْهُ، أَنْ أَعْصِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشُكِيَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا أَنَا بِمُؤْثِرٍ بِهَا عَلَيْكُمْ إِلاَّ بَعْدَكُمْ، يُرِيدُ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ تُسَمَّى ذَاتَ السَّلاَسِلِ، أُسِرَ فِيهَا نَاسٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ وَسُبُوا، ثُمَّ أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، فَانْتَدَبَ فِي بَعْثَهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ الْبَعْثُ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ثُمَّ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ وَلِيَ الأَمْرَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلاَثَةَ أُمَرَاءَ إِلَى الشَّامِ، وَأَمَّرَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى جُنْدٍ، وَأَمَّرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جُنْدٍ، وَأَمَّرَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ عَلَى جُنْدٍ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى جُنْدٍ قِبَلَ الْعِرَاقِ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ كَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى أَمَّرَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجُنْدِهِ، وَذَلِكَ مِنْ مَوْجِدَةٍ وَجَدَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ حِينَ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ‏:‏ أَغُلِبْتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى أَمْرِكُمْ‏؟‏ فَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَحَمَلَهَا عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ فَإِنَّكَ لَتَتْرُكُ إِمْرَتَهُ عَلَى الثَّعَالِبِ، فَلَمَّا اسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ ذَلِكَ، فَكَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَاسْتَعْمَلَ مَكَانَهُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَدْرَكَهُ يَزِيدُ أَمِيرًا بَعْدَ أَنْ وَصَلَ الشَّامَ بِذِي الْمَرْوَةِ، وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ بِجُنْدِهِ، فَفَعَلَ، فَكَانَتِ الشَّامُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمَرَاءَ حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ‏.‏

فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ نَزَعَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَمَّرَ مَكَانَهُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ فَنَزَعَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، وَأَمَرَ جُنْدَهُ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الأُمَرَاءِ الثَّلاَثَةِ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَجَزْتُ أَمْ خُنْتُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَمْ تَعْجَزْ وَلَمْ تَخُنْ قَالَ‏:‏ فَفِيمَ عَزَلْتَنِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ تَحَرَّجْتُ أَنْ أُؤَمِّرَكَ وَأَنَا أَجِدُ أَقْوَى مِنْكَ قَالَ‏:‏ فَاعْذُرْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ‏:‏ سَأَفْعَلُ، وَلَوْ عَلِمْتُ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ‏:‏ فَقَامَ عُمَرُ فَعَذَرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بِالْمَسِيرِ إِلَى مِصْرَ وَبَقِيَ الشَّامُ عَلَى أَمِيرَيْنِ‏:‏ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُوعُبَيْدَةَ، فَاسْتَخْلَفَ خَالِدًا وَابْنَ عَمِّهِ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ فَأَقَرَّهُ عُمَرُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ‏:‏ كَيْفَ تُقِرُّ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ جَوَادٌ لاَ يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ‏؟‏ وَقَدْ نَزَعْتَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي أَنْ كَانَ يُعْطِي دُونَكَ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ شِيمَةُ عِيَاضٍ فِي مَالِهِ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى مَالِهِ، وَإِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَمْ أَكُنْ لأُغَيِّرَ أَمْرًا قَضَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثُمَّ تُوُفِّيَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَمَّرَ مَكَانَهُ مُعَاوِيَةَ فَنَعَاهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ‏:‏ احْتَسِبْ يَزِيدَ يَا أَبَا سُفْيَانَ قَالَ‏:‏ يَرْحَمُهُ اللَّهُ، فَمَنْ أَمَّرْتَ مَكَانَهُ‏؟‏ قَالَ مُعَاوِيَةُ قَالَ‏:‏ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثُمَّ تُوُفِّيَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ، فَأَمَّرَ مَكَانَهُ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ، فَكَانَتِ الشَّامُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعُمَيْرٍ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ‏.‏

فَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ، فَعَزَلَ عُمَيْرًا، وَتَرَكَ الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ، وَنَزَعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ وَأَمَّرَ مَكَانَهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَنَزَعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَنْ مِصْرَ وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَنَزَعَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، ثُمَّ نَزَعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ الْكُوفَةِ، وَأَمَّرَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، ثُمَّ شَهِدَ عَلَى الْوَلِيدِ فَجَلَدَهُ وَنَزَعَهُ، وَأَمَّرَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّاسُ وَنَشِبُوا فِي الْفِتْنَةِ، فَحَجَّ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، ثُمَّ قَفَلَ مِنْ حَجِّهِ فَلَقِيَهُ خَيْلُ الْعِرَاقِ، فَرَجَعُوهُ مِنَ الْعُذَيْبِ، وَأَخْرَجَ أَهْلُ مِصْرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَأَقَرَّ أَهْلُ الْبَصْرَةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْفِتْنَةِ، حَتَّى إِذَا قُتِلَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَايَعَ النَّاسُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ‏:‏ إِنْ شِئْتُمَا فَبَايِعَانِي، وَإِنْ شِئْتُمَا بَايَعْتُ أَحَدَكُمَا، قَالاَ‏:‏ بَلْ نُبَايِعُكَ، ثُمَّ هَرَبَا إِلَى مَكَّةَ، وَبِمَكَّةَ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَتَكَلَّمَانِ بِهِ، فَأَعَانَتْهُمَا عَلَى رَأْيِهِمَا، فَأَطَاعَهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا قِبَلَ الْبَصْرَةِ يَطْلُبُونَ بِدَمِ ابْنِ عَفَّانَ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فِي أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَلَّمُوا أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَحَدَّثُوهَمْ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَأَنَّهُمْ جَاؤُوا تَائِبِينَ مِمَّا كَانُوا غَلَوْا بِهِ فِي أَمَرِ عُثْمَانَ، فَأَطَاعَهُمْ عَامَّةُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَاعْتَزَلَ الأَحْنَفُ، مِنْ تَمِيمٍ، وَخَرَجَ عَبْدُ الْقَيْسِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِعَامَّةِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَرَكِبَتْ عَائِشَةُ جَمَلاً لَهَا يُقَالُ لَهُ عَسْكَرُ، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ قَدْ أَلْبَسَتْهُ الدُّفُوفَ، يَعْنِي جُلُودَ الْبَقَرِ، فَقَالَتْ‏:‏ إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَ النَّاسِ مَكَانِي قَالَتْ‏:‏ وَلَمْ أَحْسِبْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ، وَلَوْ عَلِمْتُ ذَلِكَ لَمْ أَقِفْ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ أَبَدًا قَالَتْ‏:‏ فَلَمْ يَسْمَعِ النَّاسُ كَلاَمِي، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيَّ، وَكَانَ الْقِتَالُ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ كُلُّهُمْ يَأْخُذُ بِخِطَامِ جَمَلِ عَائِشَةَ حَتَّى لاَ يُقْتَلَ، ثُمَّ حَمَلُوا الْهَوْدَجَ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَنْزِلاً مِنْ تِلْكَ الْمَنَازِلِ، وَجُرِحَ مَرْوَانُ جِرَاحًا شَدِيدَةً، وَقُتِلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يَوْمَئِذٍ، وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَادِي السِّبَاعِ، وَقَفَلَتْ عَائِشَةُ وَمَرْوَانُ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمَتْ مَكَّةَ، فَكَانَ مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا يَغْلِبَانِ عَلَيْهَا، وَهَاجَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَكَانَتْ بُعُوثُهُمَا تَقْدُمُ مَكَّةَ لِلْحَجِّ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ فَهُوَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ أَيَّامَ الْحَجِّ لِلنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهَا أَرْسَلَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا لِلأُخْرَى‏:‏ تَعَالَيْ نَكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعَلِيٍّ أَنْ يُعْتِقَا مِنْ هَذِهِ الْبُعُوثِ الَّتِي تَرُوعُ النَّاسَ، حَتَّى تَجْتَمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ‏:‏ كَفَيْتُكِ أَخِي مُعَاوِيَةَ، وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ‏:‏ كَفَيْتُكِ عَلِيًّا‏.‏ فَكَتَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهَا، وَبَعَثَتْ وَفْدًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَأَطَاعَ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَهَمَّ أَنْ يُطِيعَ أُمَّ سَلَمَةَ، فَنَهَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ بُعُوثُهُمَا وَعُمَّالُهُمَا يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ _ وَمَرْوَانُ وَابْنُ الْبَخْتَرِيِّ يَغْلِبَانِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَتْ مِصْرُ فِي سُلْطَانِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَّرَ عَلَيْهَا قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ حَامِلَ رَايَةِ الأَنْصَارِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ قَيْسٌ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْفِتْنَةِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَاهِدَيْنِ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ مِصْرَ وَيَغْلِبَانِ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ قَدِ امْتَنَعَ مِنْهُمَا بِالدَّهَاءِ وَالْمَكِيدَةِ، فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَا مِصْرَ حَتَّى كَادَ مُعَاوِيَةُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُحَدِّثُ رَجُلاً مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ قُرَيْشٍ فَيَقُولُ‏:‏ مَا ابْتَدَعْتُ مِنْ مَكِيدَةٍ قَطُّ أَعْذَبَ عِنْدِي مِنْ مَكِيدَةٍ كَايَدْتُ بِهَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ حِينَ امْتَنَعَ مِنِّي قَيْسٌ، فَقُلْتُ لأَهْلِ الشَّامِ‏:‏ لاَ تَسُبُّوا قَيْسًا، وَلاَ تَدْعُونِي إِلَى غَزْوَهِ، فَإِنَّ قَيْسًا لَنَا شِيعَةٌ، تَأْتِينَا كُتُبُهُ وَنَصِيحَتُهُ، أَلاَ تَرَوْنَ مَا يَفْعَلُ بِإِخْوَانِكُمُ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ خَرْبَتَا يُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَيُؤَمِّنُ سِرْبَهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَى كُلِّ رَاغِبٍ قَدِمَ عَلَيْهِ، فَلاَ نَسْتَنْكِرُهُ فِي نَصِيحَتِهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ وَطَفِقْتُ أَكْتُبُ بِذَلِكَ إِلَى شِيعَتِي مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْ جَوَاسِيسَ عَلِيٍّ الَّذِينَ هَدَى مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا وَنَمَاهُ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، اتَّهَمَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِأَمْرِهِ بِقِتَالِ أَهْلِ خَرْبَتَا، وَأَهْلُ خَرْبَتَا يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلاَفٍ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ أَنَّهُمْ وُجُوهُ أَهْلِ مِصْرَ وَأَشْرَافُهُمْ وَذَوُو الْحِفَاظِ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَضُوا مِنِّي بِأَنْ أُؤَمِّنَ سِرْبَهُمْ، وَأُجْرِي عَلَيْهِمْ أُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَوَاهُمْ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَسْتُ مُكَايِدَهُمْ بِأَمْرٍ أَهْوَنَ عَلِيَّ وَعَلَيْكَ مِنْ أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِمُ الْيَوْمَ، وَلَوْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى قِتَالِي كَانُوا قَرَنَّاهُمْ أَسْوَدَانِ الْعَرَبِ وَفِيهِمْ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مُخَلَّدٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ خُدَيْجٍ الْخَوْلاَنِيُّ، فَذَرْنِي وَرَأْيِي فِيهِمْ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أُدَارِي مِنْهُمْ‏.‏ فَأَبَى عَلَيْهِ عَلِيٌّ إِلاَّ قِتَالَهُمْ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَكَتَبَ قَيْسٌ إِلَى عَلِيٍّ‏:‏ إِنْ كُنْتَ تَتَّهِمُنِي فَاعْتَزِلْنِي عَنْ عَمَلِكَ، وَأَرْسِلْ إِلَيْهِ غَيْرِي، فَأَرْسَلَ الأَشْتَرَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْقَلْزَمَ شَرِبَ بِالْقَلْزَمِ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ فَكَانَ فِيهَا حَتْفُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ‏:‏ إِنَّ لِلَّهِ جُنُودًا مِنْ عَسَلٍ‏.‏ فَلَمَّا بَلَغَتْ عَلِيًّا وَفَاةُ الأَشْتَرِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، فَلَمَّا حُدِّثَ بِهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَادِمًا أَمِيرًا عَلَيْهِ تَلَقَّاهُ فَخَلاَ بِهِ وَنَاجَاهُ وَقَالَ‏:‏ إِنَّكَ قَدْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ امْرِئٍ لاَ رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ عَزْلُكُمْ إِيَّايَ بِمَانِعِي أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، وَإِنِّي مِنْ أَمْرِكُمْ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى الَّذِي كُنْتُ أُكَايِدُ بِهِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَأَهْلَ خَرْبَتَا فَكَايِدْهُمْ بِهِ، فَإِنَّكَ إِنْ كَايَدْتَهُمْ بِغَيْرِهِ تَهْلَكْ‏.‏ فَوَصَفَ لَهُ قَيْسٌ الْمُكَايَدَةَ الَّتِي كَايَدَهُمْ بِهَا، فَاغْتَشَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَخَالَفَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَمَرَهُ بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مِصْرَ خَرَجَ قَيْسٌ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَأَخَافَهُ مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، حَتَّى إِذَا خَافَ أَنْ يُؤْخَذَ وَيُقْتَلَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَظَهَرَ إِلَى عَلِيٍّ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالأَسْوَدِ بْنِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ يَتَغَيَّظُ عَلَيْهِمَا وَيَقُولُ‏:‏ أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَبِرَأْيِهِ وَمُكَايَدَتِهِ فَوَاللهِ لَوْ أَمْدَدْتُمَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلاَفِ مُقَاتِلٍ مَا كَانَ ذَلِكَ بَأَغْيَظَ لِي مِنْ إِخْرَاجِكُمَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَدِمَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمَّا بَانَهُ الْحَدِيثُ، وَجَاءَهُمْ قَتَلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَرَفَ عَلِيٌّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يُدَارِي مِنْهُمْ أُمُورًا عِظَامًا مِنَ الْمُكَايَدَةِ الَّتِي قَصَّرَ عَنْهَا رَأْيُ عَلِيٍّ وَرَأْيُ مَنْ كَانَ يُؤَازِرُهُ عَلَى عَزَلِ قَيْسٍ، فَأَطَاعَ عَلِيٌّ قَيْسًا فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ كَانَ بِأَذْرِبَيْجَانَ وَأَرْضِهَا، وَعَلَى شُرْطَةِ الْخَمْسِينَ الَّذِينَ انْتَدَبُوا لِلْمَوْتِ، وَبَايَعَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا كَانُوا بَايَعُوا عَلِيًّا عَلَى الْمَوْتِ، فَلَمْ يَزَلْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ يَسُدُّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ذَلِكَ الثَّغْرَ حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ‏.‏

وَاسْتَخْلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى الْخِلاَفَةِ، وَكَانَ الْحَسَنُ لاَ يُرِيدُ الْقِتَالَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ وَيُبَايِعُ، فَعَرَفَ الْحَسَنُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لاَ يُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَنَزَعَهُ وَأَمَّرَ مَكَانَهُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، فَلَمَّا عَرَفَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ الَّذِي يُرِيدُ الْحَسَنُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ، كَتَبَ عُبَيْدُ اللهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ الأَمَانَ، وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي أَصَابَ، فَشَرَطَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ لَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْنَ عَامِرٍ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللهِ لَيْلاً، حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ، وَتَرَكَ جُنْدَهُ، الَّذِينَ هُوَ عَلَيْهِمْ، لاَ أَمِيرَ لَهُمْ، وَمَعَهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَمَّرَتْ شُرْطَةُ الْخَمْسِينَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى قِتَالِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَتَّى يَشْتَرِطَ لِشِيعَةِ عَلِيٍّ وَلِمَنْ كَانَ اتَّبَعَهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنَ الْفِتْنَةِ، فَخَلَصَ مُعَاوِيَةُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ إِلَى مُكَايَدَةِ رَجُلٍ هُوَ أَهَمُّ النَّاسِ عِنْدَهُ مَكِيدَةً، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، فَنَزَلَ بِهِمْ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو وَأَهْلُ الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَيُرْسِلُ مُعَاوِيَةُ إِلَى قَيْسٍ وَيُذَكِّرُهُ اللَّهَ وَيَقُولُ‏:‏ عَلَى طَاعَةِ مَنْ تُقَاتِلُنِي‏؟‏ وَيَقُولُ‏:‏ قَدْ بَايَعَنِي الَّذِي تُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يُقِرَّ لَهُ حَتَّى أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ بِسِجِلٍّ قَدْ خَتَمَ لَهُ فِي أَسْفَلِهِ فَقَالَ‏:‏ اكْتُبْ فِي هَذَا السِّجِلِّ، فَمَا كُتِبَتَ فَهُوَ لَكَ فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ‏:‏ لاَ تُعْطِهِ هَذَا وَقَاتِلْهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ‏:‏ عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّا لَنْ نَخْلُصَ إِلَى قَتَلِ هَؤُلاَءِ حَتَّى يُقْتَلَ عَدَدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ‏؟‏ وَإِنِّي وَاللهِ لاَ أُقَاتِلُهُ حَتَّى لاَ أَجِدَ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، فَلَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ السِّجِلَّ اشْتَرَطَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لِنَفْسِهِ وَلِشِيعَةِ عَلِيٍّ الأَمَانَ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ، وَلَمْ يَسْأَلْ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ مَالاً، فَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ قَيْسٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْجَمَاعَةِ‏.‏

وَكَانَ يُعَدُّ فِي الْعَرَبِ، حَتَّى ثَارَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى، خَمْسَةٌ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ ذَوُو رَأْيِ الْعَرَبِ وَمَكِيدَتُهُمْ، يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو، وَيُعَدُّ مِنَ الأَنْصَارِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَيُعَدُّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَيُعَدُّ مِنْ ثَقِيفٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ مِنْهُمْ رَجُلاَنِ‏:‏ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بُدَيْلٍ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ مُعْتَزِلاً بِالطَّائِفِ وَأَرْضِهَا، فَلَمَّا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ فَاجْتَمَعَا بِأَذْرُحَ، وَافَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأَرْسَلَ الْحَكَمَانِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَإِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوَافَى رِجَالاً كَثِيرًا مِنْ قُرَيْشٍ وَوَافَى مُعَاوِيَةُ بِأَهْلِ الشَّامِ وَوَافَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهُمَا الْحَكَمَانِ، وَأَبَى عَلِيٌّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ يُوَافُوا، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِرِجَالٍ مِنْ ذَوِي رَأْيِ أَهْلِ قُرَيْشٍ‏:‏ هَلْ تَرَوْنَ أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَعْلَمَ‏:‏ أَيَجْتَمُعُ هَذَانِ الْحَكَمَانِ أَمْ لاَ‏؟‏ فَقَالُوا لَهُ‏:‏ لاَ نَرَى أَنَّ أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَوَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّنِي سَأَعْلَمُهُ مِنْهُمَا حِينَ أَخْلُو بِهِمَا فَأُرَاجِعُهُمَا‏.‏ فَدَخَلَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَبَدَأَ بِهِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ‏:‏ كَيْفَ تَرَانَا مَعْشَرَ الْمُعْتَزِلَةِ‏؟‏ فَإِنَّا قَدْ شَكَكْنَا فِي هَذَا الأَمْرِ الَّذِي قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَرَأَيْنَا نَسْتَأْنِيَ وَنَتَثَبَّتُ حَتَّى تَجْتَمِعَ الأُمَّةُ عَلَى رَجُلٍ فَنَدْخُلَ فِي صَالِحِ مَا دَخَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ‏؟‏ فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ أَرَاكُمْ مَعْشَرَ الْمُعْتَزِلَةِ خَلْفَ الأَبْرَارِ وَمَعْشَرَ الْفُجَّارِ فَانْصَرَفَ الْمُغِيرَةُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَخَلاَ بِهِ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِعَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ أَرَاكُمْ أَثْبَتَ النَّاسِ رَأْيًا، وَأَرَى فِيكُمْ بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَانْصَرَفَ فَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَلَقِيَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ مِنْ ذَوِي رَأْيِ قُرَيْشٍ قَالَ‏:‏ أُقْسِمُ لَكُمْ لاَ يَجْتَمِعُ هَذَانِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَيَدْعُوَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى رَأْيَهِ‏.‏

فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْحَكَمَانِ، وَتَكَلَّمَا خَالِيَيْنِ فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ يَا أَبَا مُوسَى، أَرَأَيْتَ أَوَّلَ مَا نَقْضِي بِهِ فِي الْحَقِّ‏؟‏ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لأَهْلِ الْوَفَاءِ بِالْوَفَاءِ، وَلأَهْلِ الْغَدْرِ بِالْغَدْرِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ وَمَا ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ قَدْ وَافَوْا لِلْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ إِيَّاهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ فَاكْتُبْهَا، فَكَتَبَهَا أَبُو مُوسَى، فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ قَدْ أُخْلِصْتُ أَنَا وَأَنْتَ أَنْ نُسَمِّيَ رَجُلاً يَلِي أَمَرَ هَذَهِ الأُمَّةِ، فَسَمِّ يَا أَبَا مُوسَى، فَإِنِّي أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أُبَايِعَكَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تُبَايِعَنِي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ أُسَمِّي عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنِ اعْتَزَلَ، فَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ فَأَنَا أُسَمِّي لَكَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمْ يَبْرَحَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ حَتَّى اخْتَلَفَا وَاسْتَبَّا، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو مُوسَى‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَثَلَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَثَلَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَجَدْتُ مَثَلَ أَبِي مُوسَى مَثَلَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏الظَّالِمِينَ‏}‏، ثُمَّ كَتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَ لِصَاحِبِهِ إِلَى الأَمْصَارِ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ فَقَامَ مُعَاوِيَةُ عَشِيَّةً فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مُتَكَلِّمًا فِي هَذَا الأَمْرِ، فَلْيُطْلِعْ لِي قَرْنَهُ، فَوَاللهِ لاَ يَطْلُعُ فِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ وَمَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ يُعَرِّضُ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ‏:‏ فَأَطْلَقْتُ حَبْوَتِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ فَأَقُولَ‏:‏ يَتَكَلَّمُ فِيهِ رِجَالٌ قَاتِلُوكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتُسْفَكُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَأُحْمَلُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ رَأْيٍ، فَكَانَ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجِنَانِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا انْطَلَقْتُ إِلَى مَنْزِلِي أَتَانِي حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ‏:‏ مَا الَّذِي مَنَعَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ حِينَ سَمِعْتَ الرَّجُلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ لَقَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَأُحْمَلُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ رَأْيٍ، فَكَانَ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْجِنَانِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ‏:‏ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنَّكَ عُصِمْتَ، وَحُفِظْتَ مِمَّا خِفْتَ عُرَّتَهُ‏.‏

حَدِيثُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاَطٍ

9771- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبِيرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالاً، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلاً، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ، فَأَنَا فِي حَلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ، أَوْ قُلْتُ شَيْئًا‏؟‏ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ فَقَالَ‏:‏ اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اسْتُبِيحُوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَانْقَمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ فَرَحًا وَسُرُورًا قَالَ‏:‏ وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَعَدَ وَجَعَلَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَ ابْنًا لَهُ يُشْبِهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ‏:‏ قُثَمٌ، فَاسْتَلْقَى فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏

حِبِّي قُثَمْ ***

شَبِيهُ ذِي الأَنْفِ الأَشَمْ ***

نَبِيِّ رَبٍّ ذِي النِّعَمْ ***

بِرَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمْ ***

قَالَ ثَابِتٌ‏:‏ قَالَ أَنَسٌ‏:‏ ثُمَّ أَرْسَلَ غُلاَمًا لَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ‏:‏ مَاذَا جِئْتَ بِهِ‏؟‏ وَمَاذَا تَقُومُ‏؟‏ فَمَا وَعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتَ بِهِ قَالَ‏:‏ فَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ‏:‏ اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ‏:‏ فَلْيَخْلُ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ لآتِيَهُ، فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ قَالَ‏:‏ فَجَاءَهُ غُلاَمُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الدَّارِ قَالَ‏:‏ أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ قَالَ‏:‏ فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرَحًا حَتَّى قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْحَجَّاجُ فَأَعْتَقَهُ قَالَ‏:‏ ثُمَّ جَاءَهُ الْحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ ابْنَةَ حُيَيٍّ فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَهُ، أَوْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُعْتِقَهَا وَتَكُونَ زَوْجَهُ، وَلَكِنِّي جِئْتُ لِمَالٍ كَانَ لِي هَاهُنَا أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَهُ فَأَذْهَبَ بِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ وَأَخْفِ عَنِّي، ثَلاَثًا، ثُمَّ اذْكُرْ مَا بَدَا لَكَ قَالَ‏:‏ فَجَمَعَتِ امْرَأَتُهُ مَا كَانَ عِنْدَهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَتَاعٍ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ثُمَّ انْشَمَرَ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ زَوْجُكِ‏؟‏ فَأَخْبَرَتْهُ أَنْ قَدْ ذَهَبَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَتْ‏:‏ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ‏:‏ أَجَلْ فَلاَ يُخْزِينِي اللَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللهِ إِلاَّ مَا أَحْبَبْنَا، فَتْحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ مَا شِئْتُ وَأَخْفِ عَنِّي، ثَلاَثًا، ثُمَّ اذْكُرْ مَا بَدَا لَكَ قَالَ‏:‏ فَجَمَعَتِ امْرَأَتُهُ مَا كَانَ عِنْدَهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَتَاعٍ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ ثُمَّ انْشَمَرَ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ أَتَى الْعَبَّاسُ امْرَأَةَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ زَوْجُكِ‏؟‏ فَأَخْبَرَتْهُ أَنْ قَدْ ذَهَبَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَتْ‏:‏ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ‏:‏ أَجَلْ فَلاَ يُخْزِينِي اللَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللهِ إِلاَّ مَا أَحْبَبْنَا، فَتْحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ لَكِ حَاجَةٌ فِي زَوْجِكِ فَالْحَقِي بِهِ قَالَتْ‏:‏ أَظُنُّكَ وَاللهِ صَادِقًا قَالَ‏:‏ فَإِنِّي وَاللهِ صَادِقٌ، وَالأَمْرُ عَلَى مَا أَخْبَرْتُكِ قَالَ‏:‏ ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى مَجَالِسَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ بِهِمْ‏:‏ لاَ يُصِيبُكَ إِلاَّ خَيْرٌ يَا أَبَا الْفَضْلِ قَالَ‏:‏ لَمْ يُصِبْنِي إِلاَّ خَيْرٌ بِحَمْدِ اللهِ، قَدْ أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاَطٍ أَنَّ‏:‏ خَيْبَرَ فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللهِ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أُخْفِيَ عَنْهُ ثَلاَثًا، وَإِنَّمَا جَاءَ لِيَأْخُذَ مَالَهُ، وَمَا لَهُ مِنْ شَيْءٍ هَاهُنَا، ثُمَّ يَذْهَبَ قَالَ‏:‏ فَرَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْكَآبَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ كَانَ دَخَلَ بَيْتَهُ مُكْتَئِبًا حَتَّى أَتَوُا الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، وَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ، وَرَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا كَانَ مِنْ كَآبَةٍ، أَوْ غَيْظٍ، أَوْ حُزْنٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ‏.‏

خُصُومَةُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ

9772- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ قَالَ‏:‏ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ الْمَدِينَةَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ، وَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَهُمْ بِرِضْحٍ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ قُلْتُ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْ بِذَلِكَ غَيْرِي قَالَ‏:‏ اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ قَالَ‏:‏ فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ جَاءَهُ مَوْلاَهُ فَقَالَ‏:‏ هَذَا عُثْمَانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ‏:‏ وَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ طَلْحَةَ أُمْ لاَ‏؟‏ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ قَالَ‏:‏ ائْذَنْ لَهُمْ قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ‏:‏ هَذَا الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ يَسْتَأْذِنَانِ عَلَيْكَ قَالَ‏:‏ ائْذَنْ لَهُمَا قَالَ‏:‏ ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً قَالَ‏:‏ فَلَمَّا دَخَلَ الْعَبَّاسُ قَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَوْمَئِذٍ يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الْقَوْمُ‏:‏ اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَرِحْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَقَدْ طَالَتْ خُصُومَتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَالُوا‏:‏ قَدْ قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالاَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ لَهُمْ‏:‏ فَإِنِّي سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ هَذَا الْفَيْءِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، خَصَّ نَبِيَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ‏:‏ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ قَسَمَ وَاللهِ بَيْنَكُمْ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، قَالَ‏:‏ وَرُبَّمَا قَالَ‏:‏ وَيَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ، أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا‏.‏ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ‏:‏ وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُ فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، فَعَمِلَتُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنِّي فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ تَابَعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي، جَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي الْعَبَّاسَ، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَهُ مِنِ ابْنِ أَخِيهِ، وَجَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي عَلِيًّا، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ لَكُمَا‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا، فَأَخَذْتُ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَأَنَا مَا وُلِّيتُهَا، فَقُلْتُمَا‏:‏ ادْفَعْهَا إِلَيْنَا عَلَى ذَلِكَ، أَتُرِيدَانِ مِنَّا قَضَاءً غَيْرَ هَذَا‏؟‏ وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِقَضَاءٍ غَيْرِ هَذَا، إِنْ كُنْتُمَا عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَغَلَبَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ ثُمَّ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا هَؤُلاَءِ، يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ‏.‏

9773- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ، قَالاَ‏:‏ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْنَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ عَائِشَةُ‏:‏ أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ‏؟‏ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَرَضِينَ بِقَوْلِهَا، وَتَرَكْنَ ذَلِكَ‏.‏

9774- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ، وَالْعَبَّاسَ، أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرٍ، فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ، إِلاَّ صَنَعْتُهُ قَالَ‏:‏ فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ حَظْوَةٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ، فَمَكَثَتْ فَاطِمَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ‏:‏ فَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى بَايَعَهُ عَلِيٌّ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ، أَسْرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ‏:‏ أَنِ ائْتِنَا وَلاَ تَأْتِنَا مَعَكَ بِأَحَدٍ، وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُمَرُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ لاَ تَأْتِهِمْ وَحْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ وَاللهِ لآتِيَنَّهُمْ وَحْدِي، وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَقَدْ جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُبَايِعَكَ إِنْكَارٌ لِفَضِيلَتِكَ، وَلاَ نَفَاسَةٌ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِيَ هَذَا الأَمْرِ حَقًّا، فَاسْتَبْدَدْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ‏:‏ ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقَّهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ ذَلِكَ حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا صَمَتَ عَلِيٌّ تَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَى إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَاللهِ مَا أَلَوْتُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَنِ الْخَيْرِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللهِ لاَ أَذَكَرُ أَمْرًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، إِلاَّ صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ عَذَرَ عَلِيًّا بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضِيلَتِهِ، وَسَابِقِيَّتِهِ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا‏:‏ أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ‏.‏ فَقَالَتْ‏:‏ فَكَانُوا قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الأَمْرَ وَالْمَعْرُوفَ‏.‏

حَدِيثُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ قَاتَلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

9775- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لاَ يَتْرُكُ أَحَدًا مِنَ الْعَجَمِ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ، فَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى عُمَرَ‏:‏ أَنَّ عِنْدِي غُلاَمًا نَجَّارًا نَقَّاشَا حَدَّادًا، فِيهِ مَنَافِعُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُرْسِلَ بِهِ فَعَلْتُ‏.‏ فَأَذِنَ لَهُ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ، وَكَانَ يُدْعَى أَبَا لُؤْلُؤَةَ، وَكَانَ مَجُوسِيَّا فِي أَصْلِهِ، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى عُمَرَ يَشْكُو إِلَيْهِ كَثْرَةَ خَرَاجِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ مَا تُحْسِنُ مِنَ الأَعْمَالِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَجَّارٌ نَقَّاشٌ حَدَّادٌ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ مَا خَرَاجُكَ بِكَبِيرٍ فِي كُنْهِ مَا تُحْسِنُ مِنَ الأَعْمَالِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَضَى وَهُوَ يَتَذَمَّزُ، ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ‏:‏ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَصْنَعَ رَحًى تَطْحَنُ بِالرِّيحِ فَعَلْتُ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ‏:‏ لأَصْنَعَنَّ رَحًى يَتَحَدَّثُ بِهَا النَّاسُ قَالَ‏:‏ وَمَضَى أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ أَمَّا الْعَبْدُ فَقَدْ أَوْعَدَنِي آنِفًا فَلَمَّا أَزْمَعَ بِالَّذِي أَزْمَعَ بِهِ، أَخَذَ خِنْجَرًا فَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَعَدَ لِعُمَرَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْمَسْجِدِ، وَكَانَ عُمَرُ يَخْرُجُ بِالسَّحَرِ فَيُوقِظُ النَّاسَ بِالصَّلاَةِ، فَمَرَّ بِهِ فَثَارَ إِلَيْهِ فَطَعَنَهُ ثَلاَثَ طَعَنَاتٍ‏:‏ إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَهِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ، وَطَعَنَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، ثُمَّ نَحَرَ نَفْسَهُ بِخِنْجَرِهِ فَمَاتَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَسَمِعْتُ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ‏:‏ أَلْقَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا أَنِ اغْتَمَّ فِيهِ نَحَرَ نَفْسَهُ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَلَمَّا خَشِيَ عُمَرُ النَّزْفَ قَالَ‏:‏ لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ فَاحْتَمَلْنَا عُمَرَ أَنَا وَنَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى أَدْخَلْنَاهُ مَنْزِلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي عَشِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ إِنَّكُمْ لَنْ تُفْزِعُوهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ قَالَ‏:‏ فَقُلْنَا‏:‏ الصَّلاَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ‏:‏ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَصَلَّى النَّاسُ‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ نَعَمْ‏:‏ قَالَ‏:‏ أَمَا إِنَّهُ لاَ حَظَّ فِي الإِسْلاَمِ لأَحَدٍ تَرَكَ الصَّلاَةَ قَالَ‏:‏ وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ أَضَاعَ الصَّلاَةَ، ثُمَّ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ثُمَّ قَالَ لِي عُمَرُ‏:‏ اخْرُجْ فَاسْأَلِ النَّاسَ مَنْ طَعَنَنِي‏؟‏ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ طَعَنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَدُوُّ اللهِ غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ يَسْتَأْنِي أَنْ آتِيَهُ بِالْخَبَرِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَعَنَكَ عَدُوُّ اللهِ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ قَاتِلِي يُخَاصِمُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي سَجْدَةٍ سَجَدَهَا لِلَّهِ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَرَبَ لَنْ يَقْتُلَنِي ثُمَّ أَتَاهُ طَبِيبٌ فَسَقَاهُ نَبِيذًا فَخَرَجَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ هَذِهِ حُمْرَةُ الدَّمِ، ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ، فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ اللَّبَنُ يَصْلِدُ فَقَالَ لَهُ الَّذِي سَقَاهُ اللَّبَنَ‏:‏ اعْهَدْ عَهْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ صَدَقَنِي أَخُو بَنِي مُعَاوِيَةَ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ثُمَّ دَعَا النَّفَرَ السِّتَّةَ‏:‏ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرَ، وَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ طَلْحَةَ أُمْ لاَ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي نَظَرْتُ فِي النَّاسِ فَلَمْ أَرَ فِيهِمْ شِقَاقًا، فَإِنْ يَكُنْ شِقَاقٌ فَهُوَ فِيكُمْ، قُومُوا فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَمِّرُوا أَحَدَكُمْ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ‏:‏ أَتَانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ مِنْ أَيَّامِ الشُّورَى، بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَوَجَدَنِي نَائِمًا فَقَالَ‏:‏ أَيْقِظُوهُ، فَأَيَقَظُونِي فَقَالَ‏:‏ أَلاَ أَرَاكَ نَائِمًا، وَاللهِ مَا اكْتَحَلْتُ بِكَثِيرِ نَوْمٍ مُنْذُ هَذِهِ الثَّلاَثِ، اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلاَنًا وَفُلاَنًا، نَاسًا مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَخَلاَ بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ طَوِيلاً، ثُمَّ قَامُوا ثُمَّ قَالَ‏:‏ اذْهَبْ فَادْعُ لِيَ الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمْ، فَنَاجَاهُمْ طَوِيلاً، ثُمَّ قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ادْعُ لِي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ طَوِيلاً، ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ فَجَعَلَ يُنَاجِيهِ، فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَذَانُ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى صُهَيْبٌ بِالنَّاسِ‏.‏

فَلَمَّا فَرَغَ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي النَّاسِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلْ يَا عَلِيُّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً، ثُمَّ قَالَ‏:‏ عَلَيْكَ يَا عُثْمَانُ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْمَلَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ بِهِ الْخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، فَمَسَحَ عَلَى يَدِهِ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعَهُ النَّاسُ، ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ ثُمَّ خَرَجَ، فَلَقِيَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ‏:‏ خُدِعْتَ‏؟‏ فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَوَ خَدِيعَةٌ هِيَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَعَمِلَ بِعَمَلِ صَاحِبَيْهِ سِتًّا لاَ يَخْرِمُ شَيْئًا إِلَى سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ رَقَّ وَضَعُفَ فَغُلِبَ عَلَى أَمْرِهِ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كِذْبَةً قَطُّ، قَالَ‏:‏ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ انْتَهَيْتُ إِلَى الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَأَبِي لُؤْلُؤَةَ وَهُمْ نَجِيٌّ، فَبَغَتُّهُمْ فَثَارُوا وَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ، نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏:‏ فَانْظُرُوا بِمَا قُتِلَ عُمَرُ‏؟‏ فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مُشْتَمِلاً عَلَى السَّيْفِ حَتَّى أُتِي الْهُرْمُزَانَ فَقَالَ‏:‏ اصْحَبْنِي حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى فَرَسٍ لِي، وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ، فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَلاَهُ عُبَيْدُ اللهِ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا وَجَدَ حَرَّ السَّيْفِ قَالَ‏:‏ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَدَعَاهُ فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاَهُ بِالسَّيْفِ فَصُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَتَى ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ تَدَّعِي الإِسْلاَمَ، فَقَتَلَهَا، فَأَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدَهِ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ وَاللهِ لاَ أَتْرُكُ فِي الْمَدِينَةِ سَبْيًا إِلاَّ قَتَلْتُهُ وَغَيْرَهُمْ، وَكَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ‏:‏ أَلْقِ السَّيْفَ، وَيَأْبَى وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ، حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ‏:‏ أَعْطِنِي السَّيْفَ يَا ابْنَ أَخِي، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَتَنَاصَيَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ قَالَ‏:‏ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الإِسْلاَمِ مَا فَتَقَ، يَعْنِي عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ‏:‏ أَقُتِلَ عُمَرُ أَمْسَ وَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ‏؟‏ أَبْعَدَ اللَّهُ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَهَ قَالَ‏:‏ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ وَلَكَ عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ وَلاَ سُلْطَانَ لَكَ، فَاصْفَحْ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ‏:‏ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ يَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ إِنْ كَانَتْ لَمِمَّنْ شَجَّعَ عُبَيْدَ اللهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَوْ قَالَ‏:‏ ابْنُ خَلِيفَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ‏:‏ رَأَيْتُ الْهُرْمُزَانَ رَفَعَ يَدَهُ يُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَقَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ‏:‏ فَقَالَ عُثْمَانُ‏:‏ أَنَا وَلِيُّ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَالْجَارِيَةِ، وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُمْ دِيَةً‏.‏

حَدِيثُ الشُّورَى

9776- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ دَعَا عُمَرُ حِينَ طُعِنَ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ، قَالَ‏:‏ وَأَحْسِبُهُ قَالَ‏:‏ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمَرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَ عِنْدَهُمْ شِقَاقَا، فَإِنْ يَكُ شِقَاقٌ فَهُوَ فِيكُمْ، ثُمَّ إِنَّ قَوْمَكُمْ إِنَّمَا يُؤَمِّرُونَ أَحَدَكُمْ أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ يَا عَلِيُّ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَحْمِلْ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَقَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ‏:‏ لاَ تَحْمِلْ بَنِي أَبِي رُكَانَةَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ وَإِنْ كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَحْمِلْ أَقَارِبَكَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَمِّرُوا أَحَدَكُمْ قَالَ‏:‏ فَقَامُوا لِيَتَشَاوَرُوا، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَدَعَانِي عُثْمَانُ فتشَاوِرَنِي وَلَمْ يُدْخِلُنِي عُمَرُ فِي الشُّورَى، فَلَمَّا أَكْثَرَ أَنْ يَدْعُونِي قُلْتُ‏:‏ أَلاَ تَتَّقُونَ اللَّهَ‏؟‏ أَتُؤَمِّرُونَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ بَعْدُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ‏:‏ أَمْهِلُوا، لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، ثُمَّ تَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمَرَكُمْ فِي الثَّلاَثِ، وَاجْمَعُوا أُمَرَاءَ الأَجْنَادِ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُمْ، لأَنِّي قَلَّ مَا رَأَيْتُ عُمَرَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِلاَّ كَانَ بَعْضُ الَّذِي يَقُولُ‏.‏

قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ اجْتَمَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ‏:‏ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَوَلَّوهُ ذَلِكَ، قَالَ الْمِسْوَرُ‏:‏ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ مَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَلاَ ذَوِي غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ إِلاَّ اسْتَشَارَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ‏.‏

غَزْوَةُ الْقَادِسِيَّةِ وَغَيْرُهَا

9777- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ، فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ، فَقَالَ أُسَامَةُ لأَبِي بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ لَهُ، وَلَمْ يَبْرَحْ أُسَامَةُ حَتَّى بُويِعَ لأَبِي بَكْرٍ فَقَامَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَنِي لِمَا وَجَّهَنِي لَهُ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَرْتَدَّ الْعَرَبُ، فَإِنْ شِئْتَ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْكَ حَتَّى تَنْظُرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْرًا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَرَ فَافْعَلْ فَأَذِنَ لَهُ، فَانْطَلَقَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَتَّى أَتَى الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَتْهُمُ الضَّبَابَةُ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لاَ يَكَادُ يُبْصِرُ صَاحِبَهُ قَالَ‏:‏ فَوَجَدُوا رَجُلاً مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلاَدِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذُوهُ يَدُلُّهُمُ الطَّرِيقَ حَيْثُ أَرَادُوا، وَأَغَارُوا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرُوا قَالَ‏:‏ فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّاسُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ‏:‏ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدِ اخْتَلَفَتْ، وَخَيْلُهُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَرَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يُدْعَى بِالإِمَارَةِ حَتَّى مَاتَ، يَقُولُونَ‏:‏ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْزِعْهُ حَتَّى مَاتَ‏.‏

9778- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ نَزَعَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَأَمَّرَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ وَهُوَ بِالشَّامِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَمَكَثَ الْعَهْدُ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ شَهْرَيْنِ لاَ يُعَرِّفُهُ إِلَى خَالِدٍ حَيَاءً مِنْهُ، فَقَالَ خَالِدٌ‏:‏ أَخْرِجْ أَيُّهَا الرَّجُلُ عَهْدَكَ نَسْمَعُ لَكَ وَنُطِيعُ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ مَاتَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا وَوُلِّيَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا‏.‏ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْخَيْلِ‏.‏

9779- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَوْسَاتُهَا تَنْطِفُ، فَقُلْتُ‏:‏ قَدْ كَانَ مِنْ أَمَرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٍ قَالَتْ‏:‏ فَالْحَقْ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَالَّذِي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ‏.‏ فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى يَذْهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ الْحَكَمَانِ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ مُتَكَلِّمًا فَلْيُطْلِعْ قَرْنَهُ‏.‏

9780- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقَادِسِيَّةِ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ قَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ الْعَبْسِيُّ، وَعَلَى الرَّجَّالَةِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ، وَعَلَى النَّاسِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ قَيْسٌ‏:‏ قَدْ شَهِدْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَيَوْمَ أَجْنَادِينَ، وَيَوْمَ عَبْسٍ، وَيَوْمَ فَحْلٍ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ عَدِيدًا، وَلاَ حَدِيدًا، وَلاَ صَنْعَةً لِقِتَالٍ، وَاللهِ مَا يُرَى طَرَفَاهُمْ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ‏:‏ إِنَّ هَذَا زَبَدٌ مِنْ زَبَدِ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّا لَوْ قَدْ حَمَلَنَا عَلَيْهِمْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلاَ أُلْفِيَنَّكَ إِذَا حَمَلَتُ عَلَيْهِمْ بِرَجَّالَتِي أَنْ تَحْمِلَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ فِي أَقْفِيَتِهِمْ، وَلَكِنْ تَكُفُّ عَنَّا خَيْلَكَ وَاحْمِلْ عَلَى مَنْ يَلِيكَ قَالَ‏:‏ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنِّي لأَرَى الأَرْضَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ‏:‏ اجْلِسْ فَإِنَّ الْقِيَامَ وَالْكَلاَمَ عِنْدَ الْقِتَالِ فَشَلٌ، وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُصَلِّ فِي مَرْكَزِ رُمْحِهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنِّي هَازٌّ دَابَّتِي ثَلاَثًا، فَإِذَا هَزَزْتُهَا الْمَرَّةَ الأُولَى فَتَهَيَّؤُوا، ثُمَّ إِذَا هَزَزْتُهَا الثَّالِثَةَ فَتَهَيَّؤُوا لِلْحَمْلَةِ، أَوْ قَالَ‏:‏ احْمِلُوا فَإِنِّي حَامِلٌ قَالَ‏:‏ فَهَزَّهَا الثَّالِثَةَ، ثُمَّ حَمَلَ وَإِنَّ عَلَيْهِ لَدِرْعَيْنِ قَالَ‏:‏ فَمَا وَصَّلْنَا لِنَفْسِهِ حَتَّى صَافيهُمْ بِطَعْنَتَيْنِ وَفَلَتَ بَيْنَهُ، وَكَانَ الْفَتْحُ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكُونُوا رُكَامًا، فَمَا نَشَاءُ أَنْ نَأْخُذَ رَجُلَيْنِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَنَقْتُلُهُ إِلاَّ فَعَلْتُ‏.‏

تَزْوِيجُ فَاطِمَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهَا

9781- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي يَزِيدِ الْمَدِينِيِّ، أَوْ أَحَدِهِمَا، شَكَّ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّ أَسْمَاءَ ابْنَةَ عُمَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ لَمَّا أُهْدِيَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ لَمْ نَجِدْ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ رَمْلاً مَبْسُوطًا، وَوِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ، وَجَرَّةً وَكَوْزًا، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ‏:‏ لاَ تُحْدِثَنَّ حَدَثًا، أَوْ قَالَ‏:‏ لاَ تَقْرَبَنَّ أَهْلَكَ حَتَّى آتِيَكَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَثَمَّ أَخِي‏؟‏ فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً، يَا نَبِيَّ اللهِ هُوَ أَخُوكَ وَزَوَّجْتَهُ ابْنَتَكَ‏؟‏ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَآخَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَنَفْسِهِ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَا أُمَّ أَيْمَنَ قَالَ‏:‏ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَقَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ نَضَحَ عَلَى صَدْرِ عَلِيٍّ وَوَجْهِهِ، ثُمَّ دَعَا فَاطِمَةَ فَقَامَتْ إِلَيْهِ تَعْثُرُ فِي مِرْطِهَا مِنَ الْحَيَاءِ، فَنَضَحَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَقَالَ لَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ لَهَا‏:‏ أَمَا إِنِّي لَمْ آلُكِ، أَنْكَحْتُكِ أَحَبَّ أَهْلِي إِلَيَّ، ثُمَّ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَادًا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَسْمَاءُ قَالَ‏:‏ أَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ أَجِئْتِ كَرَامَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنَتِهِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، إِنَّ الْفَتَاةَ لَيْلَةَ يُبْنَى بِهَا لاَبُدَّ لَهَا مِنِ امْرَأَةٍ تَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا، إِنْ عَرَضَتْ حَاجَةٌ أَفْضَتْ بِذَلِكَ إِلَيْهَا قَالَتْ‏:‏ فَدَعَا لِي دُعَاءً إِنَّهُ لأَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ‏:‏ دُونَكَ أَهْلَكَ ثُمَّ خَرَجَ فَوَلَّى قَالَتْ‏:‏ فَمَا زَالَ يَدْعُو لَهُمَا حَتَّى تَوَارَى فِي حُجَرِهِ‏.‏

9782- عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاَءِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَمِّهِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ سَمْرَةَ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كَانَتْ فَاطِمَةُ تُذْكَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلاَ يَذْكُرُهَا أَحَدٌ إِلاَّ صَدَّ عَنْهُ حَتَّى يَئِسُوا مِنْهَا، فَلَقِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلِيًّا فَقَالَ‏:‏ إِنِّي وَاللهِ مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْبِسُهَا إِلاَّ عَلَيْكَ قَالَ‏:‏ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ لِمَ تَرَى ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَوَاللهِ مَا أَنَا بِوَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ‏:‏ مَا أَنَا بِصَاحِبِ دُنْيَا يَلْتَمِسُ مَا عِنْدِي، وَقَدْ عَلِمَ مَالِيَ صَفْرَاءُ وَلاَ بَيْضَاءُ، وَلاَ أَنَا بِالْكَافِرِ الَّذِي يَتَرَفَّقُ بِهَا عَنْ دِينِهِ، يَعْنِي يَتَأَلَّفُهُ بِهَا، إِنِّي لأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَتُفَرِّجَنَّهَا عَنِّي، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فَرَجًا قَالَ‏:‏ فَأَقُولُ مَاذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ تَقُولُ جِئْتُ خَاطِبًا إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَعَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِنَفْلٍ حُصِرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً يَا عَلِيُّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَجَلْ، جِئْتُ خَاطِبًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَرْحَبًا، كَلِمَةً ضَعِيفَةً، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ‏:‏ مَا فَعَلْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَعَلْتُ الَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ رَحَّبَ بِي كَلِمَةً ضَعِيفَةً، فَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ أَنْكَحَكَ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لاَ خُلْفَ الآنَ وَلاَ كَذَبَ عِنْدَهُ، عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَتَقُولَنَّ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللهِ، مَتَى تَبْنِينِي‏؟‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، أَوَلاَ أَقُولُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ حَاجَتِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْ كَمَا أَمَرْتُكَ، فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى تَبْنِينِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ الثَّالِثَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا بِلاَلاً، فَقَالَ‏:‏ يَا بِلاَلُ إِنِّي زَوَّجْتُ ابْنَتِي ابْنَ عَمِّي، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ سُنَّةِ أُمَّتِي، إِطْعَامُ الطَّعَامِ عِنْدَ النِّكَاحِ، فَأْتِ الْغَنَمَ فَخُذْ شَاةً وَأَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ، أَوْ خَمْسَةً، فَاجْعَلْ لِي قَصْعَةً لَعَلِّي أَجْمَعُ عَلَيْهَا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَآذِنِّي بِهَا، فَانْطَلَقَ فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَدْخِلْ عَلِيَّ النَّاسَ زَفَّةً زَفَّةً، وَلاَ تُغَادِرَنَّ زَفَّةً إِلَى غَيْرِهَا، يَعْنِي إِذَا فَرَغَتْ زَفَّةٌ لَمْ تَعُدْ ثَانِيَةً، فَجَعَلَ النَّاسُ يَرِدُونَ، كُلَّمَا فَرَغَتْ زَفَّةٌ وَرَدَتْ أُخْرَى، حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ، ثُمَّ عَمَدَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا فَضَلَ مِنْهَا، فَتَفَلَ فِيهِ وَبَارِكَ وَقَالَ‏:‏ يَا بِلاَلُ احْمِلْهَا إِلَى أُمَّهَاتِكَ، وَقُلْ لَهُنَّ‏:‏ كُلْنَ وَأَطْعِمْنَ مَنْ غَشِيَكُنَّ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي قَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي ابْنَ عَمِّي، وَقَدْ عَلِمْتُنَّ مَنْزِلَتَهَا مِنِّي، وَإِنِّي دَافِعُهَا إِلَيْهِ الآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَدُونَكُنَّ ابْنَتَكُنَّ فَقَامَ النِّسَاءُ فَغَلَّفْنَهَا مِنْ طِيبِهِنَّ وَحُلِيِّهِنَّ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ، فَلَمَّا رَآهُ النِّسَاءُ ذَهَبْنَ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُتْرَةٌ، وَتَخَلَّفَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏:‏ عَلَى رِسْلِكِ مَنْ أَنْتِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ أَنَا الَّذِي حَرَسَ ابْنَتَكَ، فَإِنَّ الْفَتَاةَ لَيْلَةَ يُبْنَى بِهَا لاَبُدَّ لَهَا مِنِ امْرَأَةٍ تَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا، إِنْ عَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ، وَإِنْ أَرَادَتْ شَيْئًا أَفْضَتْ بِذَلِكَ إِلَيْهَا قَالَ‏:‏ فَإِنِّي أَسْأَلُ إِلَهِي أَنْ يَحْرُسَكِ مِنْ بَيْنَ يَدَيْكِ، وَمَنْ خَلْفِكِ، وَعَنْ يَمِينِكِ، وَعَنْ شِمَالِكِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ صَرَخَ بِفَاطِمَةَ فَأَقْبَلَتْ، فَلَمْا رَأَتْ عَلِيًّا جَالِسًا إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفِرَتْ وَبَكَتْ، فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهَا لأَنَّ عَلِيًّا لاَ مَالَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا يُبْكِيكِ‏؟‏ فَمَا أَلَوْتُكِ فِي نَفْسِي، وَقَدْ طَلَبْتُ لَكِ خَيْرَ أَهْلِي، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ زَوَّجْتُكِهِ سَعِيدًا فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لِمَنَ الصَّالِحِينَ فَلاَزَمَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ائْتِينِي بِالْمِخْضَبِ فَامْلِيهِ مَاءً فَأَتَتْ أَسْمَاءُ بِالْمِخْضَبِ، فَمَلأَتْهُ مَاءً، ثُمَّ مَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَغَسَلَ فِيهِ قَدْمَيْهِ وَوَجْهِهِ، ثُمَّ دَعَا فَاطِمَةَ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا، وَكَفًّا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا، ثُمَّ رَشَّ جِلْدَهُ وَجِلْدَهَا، ثُمَّ الْتَزَمَهَا، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنَّهَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهَا، اللَّهُمَّ كَمَا أَذْهَبْتَ عَنِّي الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَنِي فَطَهِّرْهَا، ثُمَّ دَعَا بِمِخْضَبٍ آخِرَ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَصَنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعَ بِهَا، وَدَعَا لَهُ كَمَا دَعَا لَهَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَنْ قُومَا إِلَى بَيْتَكُمَا، جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا، وَبَارَكَ فِي سِرِّكُمَا وَأَصْلَحَ بَالَكُمَا، ثُمَّ قَامَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِمَا بَابَهُ بِيَدِهِ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَأَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ أَنَّهَا رَمَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو لَهُمَا خَاصَّةً لاَ يُشْرِكُهُمَا فِي دُعَائِهِ أَحَدًا حَتَّى تَوَارَى فِي حُجَرِهِ‏.‏

9783- عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا، لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ زَوَّجْتَنِيهِ أُعَيْمَشَ، عَظِيمَ الْبَطْنِ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَقَدْ زَوَّجْتُكِهِ وَإِنَّهُ لأَوَّلُ أَصْحَابِي سِلْمًا، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا، وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا‏.‏

9784- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَى إِكَافٍ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَخْلَطٍ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ‏:‏ أَيُّهَا الْمَرْءُ لاَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلاَ تُؤْذِنَا فِي مَجْلِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ‏:‏ اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ‏.‏ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ‏:‏ أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُ أَبُو حُبَابٍ‏؟‏ يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ سَعْدٌ‏:‏ اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصْفَحْ، فَوَاللهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ، يَعْنِي يُمَلِّكُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ بِالْحَقِّ، الَّذِي أَعْطَاكَهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ فَعَلَ بِكَ مَا رَأَيْتَ‏.‏ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

آخِرُ كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ‏.‏

تم الجزء الخامس من مصنف عبد الرزاق الصنعاني‏.‏

ويليه إن شاء الله الجزء السادس‏.‏

وأوله كتاب أهل الكتاب‏.‏

والحمد لله رب العالمين‏.‏